بين الإخلاص والخيانة صراعٌ منذ الأزل، هو ما بين الفضيلة والرذيلة حيث يمكث الشيطان، يشتري من بعض البشر أنفسهم، فينفذون ما يشتهيه، فهناك من قرر أن يبيع نفسه للشيطان، وقد يحاول البعض إنكار ذلك، لكن الحقيقة تقول إن الإنسان يعقد صفقة مع الشيطان لتنفيذ خططه مقابل أن يمنحه بعض الوهم بالقوة وبعض الفتات من المال.
يستطيع الإنسان أن يبيع نفسه للشيطان وفق الشروط التي يريدها الشيطان ثم يحصل مقابل ذلك على بعض الخدمات الدنيئة، ويعتمد ذلك على نوعية الشيطان، فهناك شياطين تستمتع بإهانة الإنسان وتعذبه، بمعنى أنه حتى لو نفذ إرادة الشيطان وحصل على خدماته فإن الشيطان يذله ويهينه.
شيطاننا هنا هو نظام الولي الفقيه المجوسي الإيراني، والذي اشترى ممن خانوا العراق كحزب الدعوة وغيرهم، اشترى أنفسهم فنفذوا وينفذون ما يشتهيه في العراق والأمة.
الشيطان الفارسي الذي نشر في مجتمعاتنا العربية كل أنواع الرذيلة هو ذاته من يتستر برداء الفضيلة المزيفة، فيغوي ضعاف النفوس ويصور لهم أن ما يفعلونه يمنحهم رضى الله والأولياء! حتى لو كان قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
لقد باع بعض العراقيين أو ما يسمى حزب الدعوة، أنفسهم للشيطان الفارسي، فقتلوا ودمروا تنفيذاً لأوامر سيدهم الولي الفقيه الشيطاني، دون أي مبرر يدعوهم لهذا القتل إلا الحصول على بركة الشيطان، نعم لا يوجد أي مبرر، أو أي عذر أو ذريعة تُبيح خيانة الوطن بحجة النضال أو مُقارعة الظُلم.
لقد جعل حزب الدعوة هذه الحجة مطيةً لكل أفعاله المشينة التي يندى لها جبين الشرفاء والمخلصين، لقد استوطن في عراق ما بعد ٢٠٠٣ فكر عجيب وغريب، ولا يشبه فكر أي عراقي نبيل، وهو دخيل بلا شك على العراقيين النبلاء وليس من تجنس بالعراقية اسماً دون انتماء.
لقد برر حزب الدعوة ارتكابه لأفظع الجرائم بحق العراقيين بأنه يقارع نظام حُكم ظالم مستبد، فبرر لنفسه ارتكاب كل تلك الجرائم بحق الوطن وشعبه في سبيل هذا الأمر!
في عراق ما بعد2003 لا توجد مقاييس أو معايير تحدد أو تفرز أو تفصل بين الوطني والخائن، وبين المناضل والعميل، وبين الثائر والمُخرب، لقد اختلط الأمر على العامة، فكل إنسان يرى المشهد من زاويته، لقد استوطن في العراق بعد 2003 أقذر ما عرفه العراق من بشر فكراً وعقيدةً ونهجاً، وانقلبت المفاهيم، فصار عميل الأمس ثائراً، والمُخرب والقاتل والجاسوس مناضلاً، وصار لمن قاتلَ ضد الجيش العراقي ولسنوات طويلة وحتى يوم الاحتلال فترةً جهادية، ومن كان يقود الأحزاب العميلة التي وضعت يدها بيد كل من كان يقف ضد العراق واجتمعت حتى بشياطين الأرض في سبيل هدم واحتلال بلدهم بحجة مقارعة النظام، وهم من باعوا أنفسهم للشيطان الأكبر من أجل بيع وطنهم وقبض ثمنه، ممن حكموا العراق منذ 2003 وحتى اليوم وقادوه إلى الدمار والخراب والقتل والتشريد والفساد والطائفية وطقوس وعادات دخيلة لتجهيل المجتمع العراقي، هذه الزمرة التي قادت هذا الخراب هم أنفسهم من رسخوا وأوصوا بنشر ثقافة الولاء الخفي للمعتقد والمذهب وقبل كل شيء تستروا بغطاء حب الوطن الكاذب، فصار كل عمل قاموا به أو يقومون به يصب في مصلحتهم ومعتقدهم وتابع لجهة أو حزب أو فئة أو مذهب تتطابق وأيديولوجياتهم الفكرية يكون من الواجب عليهم دعمه وتضخيمه والتغني به والدفاع عنه وتبريره ليصبح شرعياً! فقتلوا وفجروا ودمروا.
إن من أكثر جرائمهم فظاعة تفجير السفارة العراقية في بيروت سنة 1981، هذا العمل الجبان الذي أقدم عليه حزب الدعوة بمجموعاته العميلة الخائنة.
تفجير السفارة ١٩٨١
لم يمر أكثر من عام وثلاث أشهر على بدء الحرب العراقية الإيرانية، والقوات الإيرانية تتلقى ضربات موجعة على جبهات القتال، وكان النظام الإيراني يتعرض لضغوط نفسية وشعبية كبيرة، وصار في مأزق كبير بعد تحقيق الجيش العراقي مزيداً من النجاحات، فكان لا بد له من نصر يحققه أينما شاء وكيفما اتفق، في هذه الأثناء استغلت إيران غباء وعمالة وقذارة أصحاب فكر لا يرى الوطن إلا من عين مذهبه فأعدت العدة لتفجير السفارة العراقية في بيروت، بيروت التي تنهشها الحرب الأهلية منذ عام 1975، وكان في ساحتها أكثر من لاعب، وعلى رأس هؤلاء إيران ومن يواليها في لبنان وسوريا نظام حافظ الأسد، فتم الإعداد لتفجير السفارة العراقية، وشاركت المخابرات السورية وإيران والأحزاب والجماعات الموالية لها في التخطيط والتجهيز والدعم المادي واللوجستي.
كان حزب الدعوة العميل هو الجهة المنفذة لتفجير السفارة وقتل عدد كبير منهم، حيث بلغ عدد الشهداء جراء هذا التفجير الجبان أكثر من ستين مواطناً عربياً بين عراقي ولبناني وفلسطيني، فاختلطت دماؤهم وكأنها تقدم دليلاً آخر على أن القضية والمصير واحد والعدو قادمٌ من الشرق ويعاونه بعض العملاء وهو لا يفرق بين العرب، فهو يستهدف كل شيء عربي، كما تم إنقاذ عدد قليل جداً من بين الأنقاض.
إن ما يحزن ويؤلم أن الشعب العراقي يعلم علم اليقين بأن من يحكمهم اليوم هم أصحاب تاريخ أسود ملطخ بدماء العراقيين، فهم حملوا السلاح بوجه أبناء جلدتهم، وقاموا بالقتل والتفجير أمثال منظمة بدر وفيلقها وحزب الدعوة العميل الذي قام بهذا العمل الإجرامي القذر، والذي يعترف به ويتفاخر بأنه هو المنفذ لهذا الفعل الإرهابي.
لقد وقع حادث التفجير بواسطة سيارة نوع (فولفو) من الحجم الصغير لونها أبيض وتحمل علم ولوحة دبلوماسية واجتازت المطبين الاصطناعيين في الشارع المؤدي للسفارة، حيث أوضحت نتائج التحقيقات آنذاك أن السيارة كانت تسير بسرعة اعتيادية، ودخلت باب السفارة واتجهت باتجاه الاستعلامات، وصعدت درجتي السلم الصغير (ارتفاع كل درجة ١٥ سم) أمام الاستعلامات وقد لحق بها في هذه الأثناء حرس الباب فلم يدركها وحطمت زجاج الاستعلامات واستقرت في الداخل ثم انفجرت، وخلال ثوانٍ معدودة انهارت البناية محدثة دوياً هائلاً، وكان ذلك في حدود الساعة الثانية عشرة ظهراً، حيث كان الطيران الصهيوني في تلك الأثناء يحلق في سماء بيروت، ومن خلال المعاينة المبدئية ونتائج التحقيق والاستماع لأقوال الشهود في حينها وآراء الخبراء تبين أنه لم يحدث أي انفجار في الطابق الثاني وحتى الطابق السادس وكذلك في مستودعات السفارة كما أن المكان الذي انفجرت فيه السيارة يقع وسط الأعمدة التي تركزت عليها البناية والعبوات كان توجيهها إلى الجوانب مما أدى إلى تمزيق الأعمدة الأربعة التي تسند البناية، وقد حصل في الثواني القليلة بعد تمزيق الأعمدة انهيار كامل لطوابق البناية الستة، سُمع صوت دويها الهائل بشكل أكبر من الانفجار الأول حيث نزل بالطابقين الأول والثاني تحت الأرض وتراكمت الطوابق الأربعة فوقها.
بين تقرير الخبراء أن كمية المتفجرات المستخدمة في العملية لا تقل عن (3٠٠) كيلو غرام، واستخدمت مادة الهكسوجين المتفجرة التي تعادل أربع أضعاف قوة مادة الـ(T.N.T) التفجيرية، حيث حدد هذه المعلومات ونوع السيارة خبراء المتفجرات العراقيين من جهاز المخابرات الذين تم ايفادهم الى لبنان للتنسيق مع الاجهزة الامنية اللبنانية ، وحصل بعد الانفجار حريق بسيط يدل على استخدام هذه المادة، وقد تم التخطيط للعملية بعد سرقة الرسم الهندسي للبناية من نقابة المهندسين اللبنانية وإعادته بدون دليل على الجهة التي سرقت الرسم، وأن المتفجرات وضعت بطريقة فنية واحترافية عالية من أجل إحداث هذه النتيجة.
وأكدت نتائج التحقيق آنذاك أن المخابرات السورية قد خططت للجريمة ونفذها حزب الدعوة العميل، حيث أن الوصول إلى موقع السفارة من أي مكان يقتضي المرور على حواجز المخابرات السورية التي تقوم بتفتيش السيارات، وأن الجهة التي قدمت منها السيارة هي من اتجاه مركز المخابرات السورية، كما أن متطلبات القيام بهذه العملية هي أن يتم تخطيطها من قبل خبراء ومتخصصين في هذا المجال وكان عناصر المخابرات السورية يتواجدون حول المكان وبين فرق الإنقاذ بتغطية مختلفة بحثاً عن كل ما يفيد من وثائق أو سجلات او معلومات متفرقة بعد الحادث، ومن الظواهر الأخرى أن الحواجز المحيطة بالسفارة بدأت تتحدث مع المارين قبل اكتشاف آثار السيارة عن وجود اختراق في داخل السفارة، وتطلق مختلف الإشاعات عن الحادث، وبعد اكتشاف ماكنة السيارة بدأوا بإشاعة أقوال أخرى تحقق أغراضهم الدنيئة وتغطي فعلهم اللئيم، وتلكأ المحققون الرسميون اللبنانيون لعدة أيام لاستجواب الشهود الرئيسيين وعدم إعطائهم تصريحاً واضحاً في وسائل الإعلام حول الموضوع، وذكر أحدهم صدفة بأن المحققين واقعون تحت ضغط ولا يستطيعون البوح بالحقيقة وأنهم يريدون العثور على أدلة مادية قبل إعلان أي شيء، وإن هذا الضغط لا يمكن أن يقع إلا من قبل المخابرات السورية ، كما أن جميع المعلومات التي وردت حول الجريمة كانت تشير إلى الاتجاه نفسه واحتجاز قوات الدرع السورية للرافعة المتوجهة من ميناء طرابلس للمشاركة في نقل الأنقاض لعدة ساعات وبقصد تأخير عملية الإنقاذ.