العرب بين التعصب الشيعي بقيادة إيران والتعصب السني بقيادة تركيا: قراءة تحليلية معمقة – “العرب أولًا… كفى عبثًا بالطائفية، لننهض بمجدنا أو نُدفن بصمتنا!”

“العرب أولًا… كفى عبثًا بالطائفية، لننهض بمجدنا أو نُدفن بصمتنا!”

فإذا كان الشيطان ضد الطائفية ممثلة بايران وتركيا فانا معه

 

 

يشهد العالم العربي منذ عقود حالة من الاستقطاب المذهبي والسياسي الحاد، تجذرت مع تزايد النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة. في هذا المشهد المعقد، يمثل التعصب المذهبي أحد الأدوات الرئيسية التي تستغلها كل من إيران وتركيا لتعزيز نفوذهما في العالم العربي. وبينما تسعى إيران لقيادة المحور الشيعي الممتد عبر عدة دول عربية، تعمل تركيا على تعزيز زعامتها في المحور السني من خلال توظيف أدواتها السياسية والعسكرية والإعلامية. هذا المقال يهدف إلى تحليل هذه الديناميكيات بعمق، وتسليط الضوء على تأثيراتها الراهنة والمستقبلية.

المحور الإيراني: التعصب المذهبي كأداة للهيمنة الإقليمية

منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وضعت طهران استراتيجية قائمة على “تصدير الثورة”، مستغلة العامل المذهبي كوسيلة لتعزيز نفوذها في الدول العربية. هذه الاستراتيجية تتجلى في النقاط التالية:

  1. الدعم العسكري والسياسي للشيعة:
    • في العراق، أسست إيران علاقات وثيقة مع الميليشيات الشيعية مثل الحشد الشعبي، الذي تحول إلى قوة سياسية وعسكرية نافذة.
    • في لبنان، أصبح حزب الله رأس الحربة في النفوذ الإيراني، حيث تمكنت طهران من تحويل لبنان إلى ساحة خلفية لنشاطاتها الإقليمية.
  2. التمدد في الأزمات الإقليمية:
    • في سوريا، استغلت إيران الحرب الأهلية لدعم نظام الأسد، معتبرة أن الحفاظ عليه جزء من استراتيجيتها لتعزيز محور المقاومة.
    • في اليمن، كان دعم إيران للحوثيين خطوة لتعزيز تواجدها بالقرب من الخليج العربي وتهديد أمن المملكة العربية السعودية.
  3. التبرير الأيديولوجي:
    • بررت إيران تدخلاتها بشعارات مثل “مقاومة الاستكبار” و”دعم المستضعفين”، إلا أن الواقع يكشف عن استثمارها في الانقسامات الطائفية لخلق بيئة مواتية لتوسيع نفوذها.

المحور التركي: العودة إلى الدور التاريخي للسنة

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، سعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إعادة إحياء دور بلاده في العالم الإسلامي، مستندًا إلى خطاب يرتكز على الهوية السنية. يمكن تلخيص سياسة تركيا الإقليمية في النقاط التالية:

  1. الدعم السياسي للحركات السنية:
    • تركيا دعمت حركات إسلامية كالإخوان المسلمين، حيث رأت فيهم حلفاء طبيعيين يمكنهم تعزيز نفوذها في مصر ودول شمال إفريقيا.
    • في سوريا، قدمت أنقرة دعمًا واسعًا للفصائل المعارضة لنظام الأسد، مستهدفة بذلك النفوذ الإيراني.
  2. التدخل العسكري المباشر:
    • في ليبيا، دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني عسكريًا، مما عزز نفوذها في شرق المتوسط.
    • في العراق وسوريا، شنت عمليات عسكرية ضد الأكراد، متذرعة بمخاوف أمنية، لكنها في الوقت ذاته سعت إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي.
  3. القوة الناعمة:
    • استثمرت تركيا في الإعلام الناطق بالعربية، مثل قناة “تي آر تي”، لتعزيز خطابها السياسي والثقافي.
    • أنشأت مؤسسات تعليمية وخيرية لاستقطاب الشباب العربي والترويج لنموذجها الإسلامي المعتدل.

الصراع بين المحورين: ساحات مواجهة متعددة

أدى الصراع بين إيران وتركيا إلى تحويل العديد من الدول العربية إلى ساحات مواجهة غير مباشرة بين الطرفين، أبرزها:

  1. العراق:
    • بات العراق نقطة اشتباك رئيسية بين النفوذ الإيراني والتركي، حيث تدعم طهران الميليشيات الشيعية، بينما تسعى أنقرة إلى تعزيز علاقتها مع السنة وبعض الأكراد.
  2. سوريا:
    • تعد سوريا الساحة الأكثر تعقيدًا، حيث دعمت إيران نظام الأسد، بينما دعمت تركيا المعارضة المسلحة، مما أسهم في إطالة أمد الصراع.
  3. اليمن:
    • في اليمن، تركز الصراع بين دعم إيران للحوثيين وموقف تركيا الرمزي الداعم لبعض القوى السنية المناهضة لهم.
  4. ليبيا:
    • دعمت تركيا حكومة الوفاق عسكريًا، بينما اقتربت إيران من بعض الأطراف المعارضة، مما أضاف بُعدًا مذهبيًا للصراع.

التداعيات الإقليمية للاستقطاب المذهبي

أدى هذا الصراع بين المحورين إلى نتائج كارثية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي:

  1. تفكيك النسيج الاجتماعي:
    • أسهم التعصب المذهبي في تفاقم الانقسامات الطائفية داخل المجتمعات العربية، ما أدى إلى انهيار مفهوم الوحدة الوطنية.
  2. تزايد الأزمات الإنسانية:
    • الحروب المشتعلة نتيجة هذا الصراع أدت إلى نزوح الملايين من السكان، وتدمير البنى التحتية في دول مثل سوريا واليمن.
  3. غياب الدور العربي المستقل:
    • في ظل استقطاب المحاور، فقدت الدول العربية القدرة على صياغة موقف موحد، مما أفسح المجال لتنامي التدخلات الخارجية.

رؤية مستقبلية للخروج من الأزمة

لإعادة التوازن إلى المنطقة العربية، يجب اتخاذ خطوات عملية تتضمن:

  1. تعزيز الهوية الوطنية:
    • يجب أن تعمل الدول العربية على تعزيز مفهوم الدولة الوطنية القائمة على المواطنة بدلًا من الانتماءات الطائفية.
  2. إعادة بناء المشروع العربي:
    • يتطلب ذلك استعادة دور جامعة الدول العربية، وإطلاق مبادرات تعزز الوحدة العربية وتقلل من التدخلات الخارجية.
  3. حل الأزمات من الداخل:
    • ينبغي تبني حلول سياسية داخلية للأزمات العربية، بعيدًا عن أجندات القوى الإقليمية.
  4. التركيز على التنمية:
    • يجب إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لخلق بيئة مستقرة تقلل من تأثير التعصب المذهبي.

الخاتمة

إن الصراع بين التعصب الشيعي بقيادة إيران والتعصب السني بقيادة تركيا يمثل تهديدًا وجوديًا للوحدة والاستقرار في العالم العربي. الحل يكمن في تجاوز هذه الاستقطابات المذهبية، وبناء مشروع عربي موحد يعزز من استقلال القرار السياسي، ويركز على التنمية والبناء بعيدًا عن أجندات القوى الخارجية. العالم العربي بحاجة إلى قيادة واعية قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، وخلق مستقبل مشرق للأجيال القادمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *