في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران من ناحية والولايات المتحدة، وإسرائيل من ناحية أخرى يطرح المشهد الراهن تساؤلات حول مستقبل ايران، خاصة مع التلويح الأميركي المستمر بضربة عسكرية قد تكون “مدمرة”. ورغم أن هذه المواجهة تحمل أبعادًا سياسية واضحة، إلا أننا نعتقد أن الأحداث الحالية هي انعكاس لواقع عقائدي وديني تتداخل فيه المعتقدات الشيعية، اليهودية، والمسيحية الإنجيلية. قد نكون أمام لحظة فارقة تجمع بين الأبعاد الجيوسياسية والعقائدية التي يمكن أن تفتح الباب أمام تحولات تاريخية كبرى في المنطقة.
أولًا: نبوءات الشيعة حول دمار إيران
على الرغم من أن الروايات الدينية الشيعية لا تذكر صراحة زوال إيران، إلا أن بعض العلماء الشيعة استندوا إلى أحاديث حول “الفتن والخراب” في بلاد فارس، وفسروها على أنها تشير إلى تغييرات كبرى أو حتى انهيار النظام الحاكم كقضية مذهبية اجبارية للتمهيد لعودة امام الزمان . من بين هذه الروايات:
1. خروج رايات خراسان
وردت روايات في كتب مثل بحار الأنوار والغيبة للطوسي تتحدث عن رايات سود تخرج من خراسان، تمهد لظهور المهدي. بعض التفاسير ترى أن هذه الرايات قد ترمز إلى حركات تمرد أو ثورات داخل إيران قد تساهم في انهيار النظام الحاكم.
2. الاختلافات الداخلية والفتن
تشير بعض الروايات إلى حدوث فتنة كبرى بين الشيعة أنفسهم في آخر الزمان، مما يؤدي إلى انقسام النظام أو انهياره. يُعتقد أن هذه الفتنة قد تكون صراعًا بين المؤسسة الدينية (الحوزة) والسلطة السياسية، أو بين الشعب والنظام الحاكم.
3. دمار مدن إيرانية رئيسية
هناك روايات تشير إلى دمار الري (طهران الحديثة)، مثل الحديث المنسوب إلى الإمام الصادق: “ويلٌ لأهل الري من السفياني”.
بعض الروايات تتحدث عن زلازل أو كوارث تضرب فارس في آخر الزمان، وهو ما يفسره البعض بأنه قد يكون بسبب هجوم عسكري أو كارثة طبيعية.، أو نبؤات بحرب نووية . استنادا إلى رواية منسوبة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن الذرة لتحرق العالم .
4. ضعف المرجعية أو انحرافها
تشير بعض الأحاديث إلى انحراف بعض علماء الدين في آخر الزمان، مما قد يشير إلى اضطرابات داخل المؤسسة الدينية الإيرانية أو فقدانها تأثيرها.
ثانيًا: نبوءات التوراة حول إيران
في النصوص التوراتية، هناك إشارات إلى بلاد فارس (إيران الحالية) ودورها في أحداث آخر الزمان. بعض هذه الإشارات يُفسّرها باحثون مسيحيون ويهود على أنها تشير إلى مواجهة مستقبلية بين إيران وإسرائيل أو قوى غربية.
1. نبوءة دانيال (إصحاح 8)
في سفر دانيال، هناك رؤيا تتحدث عن كبش بقرنين (يرمز إلى مملكة مادي وفارس، أي إيران القديمة)، يقاتله تيس قوي (يرمز إلى مملكة غربية، يعتقد بعض المفسرين أنها تمثل قوة مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل). في الرؤيا، يُهزم الكبش تمامًا، مما يُفسّر على أنه نهاية قوية لإيران على يد قوة غربية.
2. نبوءة إرميا (إصحاح 49)
تتحدث نبوءات النبي إرميا عن خراب “عيلام”، التي كانت منطقة في جنوب غرب إيران. البعض يرى أن هذه النبوءة قد ترمز إلى ضربة عسكرية مدمرة ضد المنشآت النووية الإيرانية الموجودة في هذه المنطقة.
3. سفر حزقيال وإيران في “حرب جوج وماجوج”
يذكر سفر حزقيال (إصحاح 38 و39) أن بلاد فارس ستكون جزءًا من تحالف مع قوى مثل روسيا وتركيا ضد إسرائيل، لكن هذا التحالف يُهزم في النهاية. بعض المفسرين يعتبرون أن هذه النبوءة قد تكون إشارة إلى حرب مستقبلية بين إيران وإسرائيل قد تنتهي بانهيار إيران.
ثالثا:أما في العقيدة المسيحية الإنجيلية، فتعتبر “هرمجدون” حربًا نهائية ستجمع بين الخير والشر، وعند انتصار الخير، سيعود المسيح ليحكم الأرض. يُعتقد أن أي تصعيد في منطقة الشرق الأوسط قد يكون بداية لهذه الحروب الإلهية، مما يعزز دعم بعض التيارات الإنجيلية لأي سياسة أميركية تتبنى التصعيد ضد إيران.
رابعا : احتمالات الضربة العسكرية الأمريكية-الإسرائيلية :
مع تصاعد التوتر بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، تزداد التوقعات بضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. وربما تكون هذه الضربة متوافقة مع بعض التفسيرات الدينية حول “دمار فارس” في آخر الزمان.
خامسا : نظرية التعجيل وتسريع عودة المهدي: دافع سياسي وديني
بعض رجال الدين في إيران، لا سيما أولئك في القيادة الدينية العليا، يسارعون إلى تصعيد المواقف السياسية، متوهمين أن هذا التصعيد قد يُسهم في تسريع ظهور الإمام المهدي المنتظر، الذي سيُعلن عن نفسه كالمخلص الذي سينقذ العالم من الظلم والفساد. في العديد من خطبهم، يروج رجال الدين لفكرة أن هذه اللحظة التاريخية تتطلب الاندفاع نحو إقامة دولة الخلاص الإلهي، حيث يُنتظر من المهدي أن يُقيم دولة العدل الإلهي في الأرض.
من خلال هذا المنظور، يُعتبر “تدمير طهران” جزءًا من النبوءات التي تتحدث عن الفتن الكبرى التي تسبق ظهور المهدي، وقد يتم تفسير التصعيد العسكري الحالي حتى من جانب إيران باعتباره بداية لهذه المرحلة الحاسمة.” دمار طهران” بفعل الضربة العسكرية كقدر محتوم بل حتى كـ علامة دينية على التغيرات التي ستحدث، ومنها الصراع الكبير بين الظلم والعدل الإلهي الذي سيقوده المهدي والتي سوف تسرع بظهوره ، وتعجيل عملية الخلاص الأبدي.
سادسا :. إيران وبرنامجها النووي:(القنبلة النووية )سلاح المهدي المنتظر
إيران، التي تواجه ضغوطًا دولية غير مسبوقة حول برنامجها النووي، قد لا تنظر فقط إلى هذا البرنامج كوسيلة للحصول على سلاح نووي للدفاع عن نفسها ضد تهديدات الغرب. بل إن هناك من يرى أن هذا السلاح قد يكون “سلاح المهدي المنتظر”. في الرؤية الشيعية، يرتبط ظهور المهدي ب*”التمهيد للعدالة”* و*”الانتصار على قوى الاستكبار العالمي”*، خصوصًا الولايات المتحدة والغرب. ولذلك، يُعتقد أن امتلاك إيران للقنبلة النووية يمكن أن يكون جزءًا من الاستراتيجية الإلهية لتهيئة الظروف لظهور المهدي.
في هذا السياق، يمكن تفسير إصرار إيران على تطوير القدرة النووية وتوسيع برنامجها العسكري على أنه محاولة لتسريع هذا “التمهيد” الذي يتوقعه رجال الدين الشيعة. ففي عقيدتهم، أن هناك “عدوًا عظيمًا” يتمثل في “قوى الاستكبار” التي يمثلها الغرب وأميركا، وأن ظهور المهدي سيتطلب استنفار مكامن القوة حتى النووية لتحقيق النصر النهائي.
سابعا :. التحالفات الدولية: إسرائيل والإنجيليون ودورهم في التصعيد والتصعيد المقابل
في الجانب الآخر، تشهد إسرائيل ضغطًا متزايدًا من قبل دوائر متشددة ترغب في فرض إجراءات أكثر صرامة ضد إيران. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُعتقد أن دوره قد يكون مرتبطًا بنبوءات توراتية حول “المشياح”، يسعى بدوره إلى تكثيف الضغط على إيران، في محاولة لتأمين موقف إسرائيلي قبيل أي تطورات غير متوقعة. بالنسبة للإنجيليين في الولايات المتحدة، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من قاعدة الدعم للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإنهم يرون في التصعيد العسكري ضد إيران جزءًا من تحقق نبوءات “نهاية الزمان”، وهو ما يدفعهم إلى دعم أي خطوات عسكرية ضد إيران.
ففي التلمود، هناك إشارات واضحة إلى معركة “هرمجدون” أو “ملحمة يأجوج وماجوج”، التي تُعتبر جزءًا من النهاية الكبرى، والتي تسبق ظهور المشياح(المخلص اليهودي) الذي سيعيد السلام والعدالة إلى الأرض ، تحت قيادة المشياح. وهذا يتوازى مع النظرة التوراتية التي ترى في التصعيد العسكري مع إيران خطوة في طريق تحقيق هذه النبوءات.
.
كيف يمكن ربط هذه النبوءات بالواقع السياسي؟
كما ذكرنا اذا حدثت ضربة عسكرية كبيرة لطهران أو منشآتها النووية، فالبعض قد يراها تحقيقًا لنبوءات التوراة حول خراب عيلام أو دمار فارس.
كذلك إذا تصاعدت الفتن داخل إيران، وانهار النظام، فقد يعتبره البعض تحقيقًا لروايات الشيعة عن الفتنة الكبرى بين الشيعة أو خروج رايات
ثامنا : السيناريوهات المحتملة في حال التصعيد
في حال رفضت إيران تفكيك برنامجها النووي وأصرت على المضي قدمًا فيه، قد تتجه الأمور نحو أحد السيناريوهات التالية:
١: ضربة عسكرية مدمرة ضد إيران تنسجم مع النبؤة الشيعية الموعودة ؛ فتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران سيكون له تداعيات خطيرة، سواء من حيث تدمير منشآتها النووية أو تأجيج الحرب في المنطقة. بالنسبة للبعض، فإن هذا التصعيد قد يُعتبر بداية للأحداث الكبرى التي تسبق ظهور المهدي، إذ أن “دمار طهران” يُعتبر في بعض الروايات الشيعية علامة على بدء هذه المرحلة.
٢: انهيار داخلي للنظام الإيراني
موازاةً للتصعيد الخارجي، قد يواجه النظام الإيراني ضغوطًا داخلية شديدة بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. في حال انفجر الوضع الداخلي، فإن ذلك قد يُنظر من قبل بعض المجموعات الإيرانية كإشارة للظهور المهدوي، حيث تتحدث بعض الروايات الشيعية عن فوضى كبرى تنتهي بإعادة الامور الى نصابها في ايران وترتيب الأوضاع في المنطقة.
٣: حرب إقليمية شاملة “هرمجدون”
حرب إقليمية قد تشمل إسرائيل وإيران وأطرافًا أخرى في المنطقة قد تُعتبر “هرمجدون” التوراتية، مما يفتح الطريق لظهور المسيح المخلص في العقيدة اليهودية. هذا السيناريو يتقاطع مع رؤية بعض الدوائر الأميركية الدينية التي ترى في التصعيد في الشرق الأوسط جزءًا من خطة إلهية تمهد لعودة المسيح.
٤ا: تسوية مؤقتة قد تؤجل التصعيد
ربما تلجأ القوى الكبرى إلى فرض تسوية دبلوماسية مؤقتة، في محاولة لتجنب التصعيد المباشر. في هذه الحالة، ستظل المنطقة في حالة ترقب دائم، مع احتمالية أن يتفجر الوضع في أي لحظة.
الأحداث الجارية تشير إلى مفترق طرق حاسم. بين التصعيد العسكري ورفض إيران لأي تنازل في برنامجها النووي، يظل السؤال قائمًا: هل نحن أمام نهاية حقبة أو بداية مرحلة جديدة تتزامن مع النبوءات الدينية؟ في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الشرق الأوسط على شفا تحول كبير قد يُعيد تشكيل النظام العالمي برمته ، سواء كان ذلك عبر حرب واسعة أو من خلال تسوية مؤقتة قد تؤجل المواجهة الكبرى، لكن لا تلغيها.، أو تصعيد غير مسبوق قد يفجر الوضع الاقليمي برمته وبين هذا وذاك، تبقى الأيام القادمة محورية في رسم ملامح مستقبل المنطقة والعالم .