كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
تحرير البطل السوري عمر الأبرش للجولان واغتياله
في 1973/10/06م أعلنت مصر وسوريا الحرب على إسرائيل، وكانت إتفاقية حافظ الأسد مع إسرائيل تفيد بأن يقوم بتسليم دمشق لهم والإنسحاب إلى حمص، ونقل العاصمة السورية إما إلى حمص وفي رواية أخرى حلب أو اللاذقية، تماماً كما قام بتسليمهم الجولان عام 1967م عندما كان وزيراً للدفاع، ولهذا وضع على الحدود فقط فرقة واحدة بقيادة العميد عمر الأبرش يستطيع الجيش الإسرائيلي إبادتها بسهولة.
–
ولكن المفاجأة أن فرقة المشاة الآلية السابعة بقيادة العميد عمر الأبرش نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية وخاض معركة طاحنة مع القوات الإسرائيلية في منطقة تل المخفي في القطاع الأوسط من الجولان، واعتبرت واحدة من أكبر معارك الدبابات في القرن العشرين، وبعد إنتصاره نجح عمر الأبرش في تحرير جبل الشيخ وكامل الجولان والوصول جسر بنات النبي يعقوب ثم إلى بحيرة طبريا.
–
ولكن أتاه إتصال من حافظ الأسد يطلب منه الإنسحاب، فرد عليه عمر الأبرش غاضباً: “أنت شوفير ميغ 17 شو فهمك بقيادة المعارك”، فصُدم عمر الأبرش بإنسحاب قطاعات من فرقته بعد أن تجاوزه حافظ الأسد وأمر أصحاب الرتب الأقل من عمر الأبرش بالإنسحاب، ثم أرسل حافظ الأسد الضابط إبراهيم الصافي والذي إغتال عمر الأبرش في 1973/10/08م وتم إعلان انتحاره ثم تغيير الرواية بأنه قتل على يد الجيش الإسرائيلي، وانسحب ما تبقى من فرقة عمر الأبرش بشكل صدم العالم، وضاع كل ما حققه، وأصبحت دمشق جاهزة للتسليم، وبإنسحاب الجيش السوري ترك التجريدة المغربية تتقدم بداخل الجولان دون أن يصلهم أمر الانسحاب أو أن تحظى بتغطية جوية، فبهذا ارسلها حافظ الأسد إلى المحرقة التي كانت ستبيدها بأكملها لولا وصول الدعم العراقي، ولكن سقط الكثير من الشهداء المغاربة.
–
–
وصول الجيش العراقي وإنقاذ دمشق
–
–
يُعتبر إنقاذ القوات العراقية للعاصمة السورية دمشق من السقوط هو الإنجاز الأكبر، فقد وصل الإنقاذ من العراق الذي لم يكن يعلم ساعة الصفر، حيث وصلت أولى طلائع القوات العراقية إلى دمشق مساء 1973/10/10م المتمثلة باللواء المدرع 12، تبعه لواء المشاة الآلي 8 ثم اللواء المدرع 6، وكان أول الواصلين اللواء المدرع 12 بقيادة البطل سليم شاكر الإمامي والذي فوجئ بعدم وجود أي قائد سوري على الجبهة وسأل عن موقع رئاسة الأركان، ثم عندما علم بأن العثور عليها يحتاج وقتاً قرر أن يدخل المعركة بشكل مباشر ودون ترتيب، بعد أن سد ثغرة الصنمين التي انسحب منها السوريين.
–
وخلال تقدم القوات الإسرائيلية على محور جيعا-كفر ناسج، باغتهم اللواء المدرع 12 الواصل حديثاً لساحة المعركة وكبدهم خسائر كبيرة واسر عدد من اطقم الدبابات والجنود، وما يزيد الإعجاب بهذا النصر هو أنه تحقق دون تغطية جوية، وقد بين التقرير السري المرقم (7) المعد من قبل مكتب الشؤون العسكرية المصرية عن سير المعارك والمقدم للرئيس أنور السادات عن الموقف في الجبهة السورية النص التالي:(اشترك اللواء العراقي في تثبيت العدو وتوجيه ضربة مضادة ومنعه من تطوير هجومه شرقا ومنع قوات العدو من الاتصال بكتيبة مظلات العدو التي نزلت في منطقة العدسية واستعاد الأوضاع).
–
وفي يوم 1973/10/11م وصل العقيد العراقي محمد وهيب من فرقة المدرعات الثالثة العراقية إلى دمشق ووجد أن منطقة الكسوة بين دمشق ودرعا فارغة بعد أن انسحب اللواء المدرع 70 السوري منها، فقرر العقيد محمد وهيب أخذ مواقع المدرع السوري المنسحب دون أوامر أو تعليمات، ثم بحث العقيد محمد وهيب عن القيادة السورية وبعد بحث طويل وجد أن حافظ الأسد مختبئ في ملجأ في جبل قاسيون فذهب له وقابله، وقال حافظ الأسد لمحمد وهيب: “القوات السورية انهارت في المعركة، وإن دمشق خرجت من شارب السوريين، وأصبحت بشارب العراقيين”.
–
وفي يوم 1973/10/13م حاول الجيش الإسرائيلي التقدم داخل سوريا ولكنه فشل، ففي يومها وصلت كامل الفرقة المدرعة الثالثة العراقية، وفي 1973/10/15م أيقنت القيادة الإسرائيلية أن التقدم نحو دمشق يعني فناء الجيش الإسرائيلي بسبب البسالة العراقية.
–
–
تحرير الجيش العراقي للجولان.
–
–
بعد توقف التقدم الإسرائيلي وعودة القوات السورية تم الترتيب لتحرير الجولان بمعركة تل عنتر ثم الدخول لفلسطين بهجوم يبدأ في 1973/10/18م، حيث اشتكى الجيش العراقي من عدم توفر الخرائط وهذا ما ذكره الفريق العراقي محمد امين لرئيس الأركان السوري يوسف شكور، وبعد ترتيب الهجوم فوجئ الجيش العراقي بطلب سوريا تأجيل الهجوم إلى 1973/10/19م فوافق العراقيين.
–
وبدأ الهجوم المشترك ونجحوا في تحرير كامل جبل الشيخ، ولكن في يوم 1973/10/20م، أمر حافظ الأسد جيشه بإيقاف القتال لإنتظار حصول هدنة، فاستمر الجيش العراقي بالقتال لوحده خلال الأيام التالية، ونجح الجيش العراقي بتحرير كامل الجولان والوصول لبحيرة طبريا في تاريخ 1973/10/23م، زاد إرتفاع معنويات العراقيين بوصول فيلق عراقي كامل بهذا اليوم، فاستعد الجيش العراقي لهجوم شامل داخل فلسطين، ولكن حافظ الأسد أعلن إيقاف الحرب في 1973/10/24م فقد كان يتفاوض على هدنة دون علم العراقيين.
–
–
غدر حافظ الأسد للجيش العراقي.
–
–
رفض العراقيون الهدنة وقرروا إستكمال القتال في 1973/10/24م، ولكن حافظ الأسد قام بإجراءات لإجبار العراقيين على الانسحاب، فقد أغلق الحدود السورية العراقية لمنع أي دعم للجيش العراقي، وكسياسة ضغط أغلق سد الطبقة فانخفض منسوب نهر الفرات عن العراق لتتحول لأزمة مائية انتهت بوساطة سعودية بعد عامين، واتهم حافظ الأسد الجيش العراقي بالتآمر وهدده بأن يهاجمه وبهذا سيكون الجيش العراقي وحيداً بين الجيش السوري والأسرائيلي ومحاصراً وبلا دعم، فاضطر العراقيون للإنسحاب، بمكسب واحد وهو إنقاذ دمشق وقد استشهد منه حوالي 900 شهيد.
–
–
قصة إجتياح إسرائيل لسوريا بعد نجاح الثورة
–
–
وقع حافظ الأسد مع إسرائيل اتفاقية فض الاشتباك عام 1974م، وأصبح ما حرره عمر الأبرش وأعاد تحريره الجيش العراقي مقسم لقسمين، القسم الأكبر بقي بشكل مباشر تحت الحكم الإسرائيلي، والقسم الأصغر هو عبارة عن منطقة عازلة، يُمنع أن يدخلها الجيش السوري إلا باعداد رمزية وبإذن إسرائيلي، وحتى جبل الشيخ بقي أغلبه مع إسرائيل، والقسم الأصغر السوري لا يتجاوز عدد الجنود السوريين فيه 20 جندي.
–
وقد بدأت إسرائيل بالتقدم في المنطقة العازلة عام 2024م بمجرد بداية حربها مع لبنان وفي زمن حكم بشار الأسد، وزادت وتيرة التقدم بعد سقوط بشار الأسد في 2024/12/08م، لهذا تعتبر هذه المناطق ساقطة وتحت حكم إسرائيل الفعلي من سنة 1974م بمجرد أن وافق حافظ الأسد على أن تكون خالية من الجيش السوري وأن تأخذ إسرائيل المواقع المرتفعة في جبل الشيخ والجولان، وبمجرد أن غدر بالجيش العراقي الذي كان يسيطر على كامل الجولان وتآمر عليه لكي ينسحب.
*** المصادر:
1- كتاب أكتوبر 73، السلاح والسياسة : محمد حسنين هيكل.
2- كتاب الحرب طريق السلام :حمدي الكنيسي.
3- الجيش العراقي وحرب تشرين 1973 :العقيد الركن سليم شاكر الإمامي
4- كتاب حرب الساعات الستة واحتمالات الحرب الخامسة : عبد الستار الطويلة
5- كتاب مذكرات حرب أكتوبر الفريق سعد الشاذلي.
6- العبور والثغرة، إدغار أوبلانس
7- كسرة خبز، سامي الجندي
8- خلاصة العمليات الجوية والبرية للجيش العراقي في حرب تشرين 73، عبد الوهاب الجبوري
9- اسرائيل وسوريا، انتوني كوردسمان
10- حرب رمضان، معن العداسي