ثبات الرجال .. وحبهم للأوطان صمود الأسرى الفلسطينيين: حرية لا تُشترى بالإبعاد بقلم/ د. رمزي منصور

بداخل السجون الإسرائيلية، يقبع آلاف من الفلسطينيين الذين انتزع منهم الاحتلال حريتهم، إلا أن عزيمتهم لم تُهزم، وإرادتهم لم تُكسر. في صورة جديدة من الثبات والتحدي، سطر سبعة من الأسرى الفلسطينيين الذين ضحوا بأعمارهم في الزنازين المظلمة، أسمى معاني العزة والكرامة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعدما رفضوا عرضًا بالخروج من الأسر مقابل الإبعاد عن أرضهم فلسطين. جاء ذلك ضمن صفقة “طوفان الأحرار” التي خاضتها المقاومة الفلسطينية بغزة، والتي تم بموجبها الإفراج عن العديد من الأسرى، من بينهم هؤلاء الأبطال المحكوم عليهم بالمؤبدات والأحكام العالية. فكانوا ضمن القوائم التي سيتم الإفراج عنها. لكن ماذا فعل هؤلاء الأبطال؟ لم يقبلوا بالخروج إلا بشروطهم، فهم لم يطلبوا فقط الحرية، بل طالبوا بحقهم الأصيل في العودة إلى وطنهم وأرضهم.

ورغم أن الصفقة كانت تُعدّ انتصارًا كبيرًا للأسرى الفلسطينيين، إلا أن هؤلاء الأبطال السبعة رفضوا أن يخرجوا مقابل إبعادهم عن أرض فلسطين. فضّلوا أن يبقوا في الأسر على أن يبتعدوا عن وطنهم. لقد كانوا على يقين أن الحرية الحقيقية لا تكمن في الخروج من السجن فحسب، بل في العودة إلى الأرض التي عُذبوا من أجلها.

إن الأسرى الفلسطينيين لم يكونوا يومًا مجرد أرقام في قوائم الاعتقال، بل هم رموز للصمود والعزيمة في وجه الاحتلال، يعكسون الإرادة الفلسطينية التي تأبى الانكسار رغم الألم والمعاناة. ففي الوقت الذي كان بإمكانهم استنشاق نسائم الحرية خارج أسوار السجن، فضلوا البقاء في زنازينهم على أن يكون ثمن الحرية هو اقتلاعهم من جذورهم.

هذا القرار البطولي لا يعكس فقط تمسكهم بحقهم في البقاء على أرضهم، بل يبعث برسالة واضحة إلى الاحتلال والعالم أجمع: فلسطين ليست مجرد جغرافيا، بل هوية وانتماء، ولا يمكن أن تكون الحرية على حساب الوطن. فقد أثبت هؤلاء الأسرى أن الإرادة لا تُقهر، وأن سنوات السجن لم تزدهم إلا إيمانًا بقضيتهم وتمسكًا بأرضهم.

إن تضحية هؤلاء الأسرى في صفقة “طوفان الأحرار” تضعنا أمام تساؤلات حول الثمن الذي يجب أن يدفعه الإنسان من أجل الوطن، وحول المعنى الحقيقي للحرية. فها هم هؤلاء الأبطال يضربون أروع الأمثلة في الصمود والتحدي، مشيرين للعالم أن فلسطين لا تباع ولا تُشترى. هي ثابتة في قلب كل أسير، وكل من حمل بندقيته دفاعًا عن الأرض. هؤلاء الأسرى كانوا وما زالوا المدرسة الأولى في درس التضحية، علموا جميع الفلسطينيين أنه لا معنى للحرية إذا كانت مفصولة عن الأرض، وإن رفض هؤلاء الأسرى للإبعاد يكشف عن طبيعة الاحتلال الذي يحاول تفريغ الأرض من شعبها عبر أساليب متعددة، من التهجير القسري إلى الإبعاد القسري، وإن تضحيات هؤلاء الأبطال تستدعي منا جميعًا مزيدًا من الدعم والتضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال، والعمل على إبقاء قضيتهم حيّة في ضمير الأمة والعالم، حتى ينالوا الحرية الكاملة غير المشروطة. لهم منا كل التحية والتقدير، ولعائلاتهم وكل الشعب الفلسطيني الذي يواصل نضاله من أجل تحقيق الحرية والعدالة. إن نضال الأسرى في سجون الاحتلال هو نضال شعب بأسره، ونحن على يقين أن النصر قريب، مهما طال الزمن.

المجد للأسرى .. والحرية لفلسطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *