في زمنٍ تغيب فيه العدالة وتعلو فيه أصوات البنادق على صرخات الأبرياء، يتحول الوطن إلى ساحة حرب تُسحق فيها أحلام الشعوب تحت وطأة الصراعات السياسية والطائفية. غزة ولبنان، مثالان حيّان على هذا المشهد القاتم؛ حيث يُقدَّم الدم قرباناً على مذبح الأجندات، ويُهدم الحجر والبشر تحت مسمى “انتصارات” زائفة لا تُسمن ولا تُغني من جوع. هذه ليست حروباً لتحرير الأرض أو حماية السيادة، بل هي صفقات تُدار خلف الكواليس تُبقي على سلطة الأحزاب بينما تُفني الشعوب.
تحليل الحرب على غزة وحرب لبنان
لطالما شكلت الحروب والنزاعات المسلحة مشهداً مأساوياً تتكرر مشاهده في منطقتنا العربية، حيث يبدو أن دماء الشعوب وأرواح الأبرياء هي العملة التي تُصرف لتحقيق أجندات سياسية وأيديولوجية بعيدة كل البعد عن مصلحة المواطن البسيط. في هذا المقال، نسلط الضوء على الحرب في غزة وحرب لبنان، وما خلفته من دمار وألم، وكيف تحولت انتصارات هذه الحروب إلى شعارات زائفة تُعلَّق على جدران حزبية بينما تُهدم المنازل وتُدمر الأوطان.
غزة: بين الحصار والنار
الحرب على غزة ليست مجرد صراع عسكري بل سلسلة من المآسي الإنسانية. سكان القطاع يعيشون في ظل حصار خانق منذ أكثر من عقد، ولا يكاد يمر عام دون تصعيد عسكري يضيف إلى معاناتهم. في كل مرة تنطلق الصواريخ أو تسقط القذائف، يكون المدنيون أول الضحايا، أطفال يدفنون تحت الأنقاض، وأسر تُشرد بلا مأوى.
اللافت في كل هذه الأحداث أن الأحزاب المتصارعة على الأرض تسارع لإعلان “النصر” بعد كل جولة. لكن أي نصر هذا الذي يتحقق على دماء الأبرياء؟ وأي مكاسب تُجنى عندما يتحول القطاع إلى أنقاض ويموت الآلاف دون ذنب؟ النصر الحقيقي هو بقاء الإنسان، لكن هذا المفهوم يبدو غائباً تماماً عن عقول أولئك الذين يديرون هذه الحروب من خلف الكواليس.
لبنان: ساحة صراع إقليمي
أما في لبنان، فقد كان البلد ساحة لصراعات إقليمية ودولية لعقود طويلة. الحرب الأخيرة كانت دليلاً آخر على أن الشعوب هي وقود الصراعات. الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والتهجير القسري لعشرات الآلاف من العائلات، والانهيار الاقتصادي الذي تلاها، كلها عوامل أثبتت أن الشعارات الرنانة عن “المقاومة” أو “الانتصار” ما هي إلا تبريرات لدمار الأوطان.
ما يزيد الأمر مأساوية هو أن الأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة في لبنان لا ترى في هذه الخسائر إلا وسيلة لتعزيز مواقعها السياسية، بغض النظر عن الكلفة البشرية والمادية التي يدفعها المواطنون. المصالح الحزبية تتغلب على المصالح الوطنية، والأولويات تُختزل في البقاء على كرسي السلطة.
الكلفة البشرية: دماء بلا مقابل
الحروب في غزة ولبنان تسلط الضوء على مأساة أكبر: الشعوب هي التي تدفع الثمن دائماً. أجيال كاملة فقدت فرصها في التعليم والعمل بسبب الدمار المستمر. مدن تحولت إلى أطلال، وأسر فقدت أعزاءها، بينما يبقى المسؤولون السياسيون والقادة العسكريون بعيدين عن نيران الحرب وآلامها.
انتصارات زائفة
تروج الأحزاب المتصارعة لفكرة الانتصار، لكنها تغفل أن الانتصار الحقيقي لا يُقاس بعدد الصواريخ أو بمساحات الأرض التي تُستعاد، بل بمقدار السلام الذي يُعاد للشعوب. هذه الانتصارات المزعومة ليست سوى أكاذيب تُلبسها الطبقة السياسية لتبرير استمرارها في السلطة على حساب أرواح الشعوب.
بقاء الأحزاب مقابل دمار الشعوب
الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يهم الأحزاب المتصارعة هو الحفاظ على مواقعها السياسية ونفوذها، حتى وإن كان ذلك يعني التضحية بالشعوب. هذه الأحزاب لا ترى في الحرب وسيلة لتحقيق الأمن أو السلام، بل وسيلة لتعزيز مواقعها وبسط نفوذها. في هذا السياق، تتحول الشعارات القومية والدينية إلى أدوات للتلاعب بالعواطف وتبرير استمرار الصراع.
متى ينتهي النزيف؟
ما تحتاجه غزة ولبنان اليوم ليس مزيداً من الحروب ولا شعارات الانتصار الزائفة، بل سلاماً حقيقياً يعيد بناء الإنسان قبل البنيان. المطلوب هو وقف هذا النزيف المستمر والعمل على حلول تُعيد للشعوب كرامتها وتمنحها فرصة للحياة بعيداً عن الخوف والدمار.
على الشعوب أن تعي أن مستقبلها لا يمكن أن يُبنى على دمائها، وأن الوقت قد حان للمطالبة بقيادات تُقدم مصلحة الأوطان على المصالح الحزبية الضيقة. ربما حينها فقط نتمكن من كسر حلقة العنف والخروج من دوامة الحرب التي لا رابح فيها سوى المتاجرين بدماء الأبرياء.