الاساس النظري للاصدار النقدي ودور البنك المركزي لخلق التوازن المالي والنقدي

د.حسين اسماعيل الطائي
خبير مالي ونقدي

ان عملية الاصدار النقدي التي يعتمدها البنك المركزي في اي دولة يجب ان يخضع لنظريات الاصدار والتي تعتمدها المدارس النقدية التالية:-
– فالمدرسة الاولى تعتمد على الاساس المصرفي اي انها تنادي وتطالب بحرية الاصدار النقدي والتي يجب ان تخضع تلقائيا على حجم الطلب .فزيادة النشاط الاقتصادي في فترة الانتعاش الاقتصادي او الرواج يؤدي الى زيادة طلب الافراد على الاقتراض من المصارف التجارية والتي تحتاج الى نقد اضافي لتلبية هذه العملية وفي زيادة حجم الائتمان مما يدفع البنك المركزي لزيادة الاصدار النقدي . لذا ترى هذه المدرسة ان اخضاع عرض النقود يحكم الطلب عليها ويقدم المرونة الكافية للتوسع في النشاط الاقتصادي .
لذا نرى ان تطبيق اراء هذه المدرسة سوف يؤدي الى حالة من عدم الاستقرار النقدي الذي يؤدي حتما الى ارتفاع مستوى الاسعار بشكل متواصل وخلق حالة من التضخم وهذا هو ما حدث فعلا في تدهور القيمة الحقيقية للدينار العراقي الذي يمثل العملة المحلية وارتفاع سعر الصرف للعملات الاجنبية مقابل الدينار العراقي في الفترة الاخيرة .
– اما المدرسة الثانية فهي تعتمد الاساس النقدي اي ان عملية الاصدار النقدي من قبل البنك المركزي يجب ان يكون محددا باحتياطات الذهب المتوفرة في البنك المركزي . لذا فان ما ذهبت اليه هذه المدرسة لا يمكن اعتماده لان عملية الاصدار النقدي من العملة المحلية لم يأخذ بمبدأ الغطاء من الذهب للاصدار النقدي منذ فترة طويلة .
– اما المدرسة الثالثة فهي طالبت بوضع قيود على عملية الاصدار النقدي التي يقوم بها البنك المركزي اي ان الاصدار النقدي يجب ان يتماشى مع حجم الطلب على النقد الازم لتمويل المعاملات والنشاطات الاقتصادية . وبهذا الرئ فأنها تتماشى مع اراء المدرسة الثاني في الاصدار النقدي .
اما من الناحية العملية فان
العراق ومنذ فترة ليست قصيرة تجتاحه ازمة نقدية بسبب عدم وجود التوازن النقدي الذي ادى الى رفع قيمة العملات الاجنبية مقابل الدينار العراقي مما أثر بشكل سلبي وكبير على مداخيل شريحة كبيرة من المجتمع العراقي وخاصة من ذوي الدخول المحدودة والتي تتقاضى الرواتب والاجور بالعملة المحلية .
لذا فان مهمات البنك المركزي يجب ان يؤديها بشكل سليم وصحيح والتي تعتبر في غاية الاهمية وان اهمالها
سيؤل الى اوضاع خطيرة تؤدي الى ازدياد حالة الفقر والحرمان التي تعانيها الشريحة العظمى من المجتمع العراقي .
فمهمة البنك المركزي تكمن في الحفاظ على التوازن النقدي من خلال الاجراءات التي يتخذها البنك المركزي و التي تكفل ضمان خلق حالة من التوازن النقدي في الاسواق المحلية وعدم افساح المجال لزيادة العرض النقدي من العملات المحلية وعدم توسع الكتلة النقدية في التداول في السوق المحلية والذي يؤدي الى انخفاض قيمته الحقيقية امام الدولار و العملات الاجنبية الاخرى . ومن اهم الاجراءات التي يجب على البنك المركزي اتخاذها هي:-
1- بيع السندات الحكومية للمصارف التجارية بفائدة محددة والتي تقوم بدورها ببيعها للجمهور وبفائدة تزيد بنسبة مقبولة عن نسبة الشراء من البنك المركزي وبهذا سيتمكن البنك المركزي بسحب جزء كبير من السيولة النقدية التداولة في السوق .
2- يجب على البنك المركزي زيادة نسبة الاحتياطي القانوني للمصارف التجارية بنسبة مدروسة لغرض سحب جزء من النقود المحلية من التداول النقدي وبهذا سيتمكن البنك المركزي من سحب كميات كبيرة من التداول النقدي والتي سيتمخض عنها اضعاف الكتلة النقدية في التداول النقدي .
3- يعمل البنك المركزي بضخ كميات كبيرة و محدودة من العملة الاجنبية لغرض زيادة العرض منها في السوق المحلية مما سيدفع الى خلق حالة من التوازن النسبي بين المعروض من العملات الاجنبية وتوفر كميات اقل من المعروض من العملات المحلية .
وبهذه الاجراءات سيتمكن البنك المركزي على خلق نوع من الاستقرار النقدي في السوق المحلية والمحافظة على القيمة الحقيقية للعملة المحلية .

والى الجانب النظري والاجرائي الذي ذكرناه فهناك جوانب اخرى تؤثر في عدم الاستقرار الاقتصادي والنقدي ومنها
– سوء ادارة الاقتصاد الوطني وغياب المذهب الاقتصادي المستقل اضافة الى عدم استقرار التخطيط الاقتصادي وبروز الازمة المالية نتيجة تدخلات جهات مختلفة ومنها خارجية في القرار السياسي والاقتصادي
مما يساهم في ارباك الوضع المالي والنقدي
– ومن العوامل الاخرى التي ساهمت في عدم التوازن المالي والنقدي هي تدخلات جهات سياسية في التصرف بالسوق المالية والنقدية فعشرات المصارف التجارية ترتبط بجهات خارجية وتعمل على المتاجرة بالعملات الاجنبية وغسيل الاموال من خلال الشركات السياحية. لذا تمخض عن ذلك ضعف سيطرة الدولة
على النشاط الاقتصادي والمالي مما حدى بالخزانة الامريكية للتدخل والتصرف بالاقتصاد العراقي واتخاذ بعض العقوبات ضد المصارف التجارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *