الفلسطيني لن يرحل: الصمود والتشبث بالأرض في وجه التهجير د. رمزي منصور

منذ نكبة عام 1948، يواجه الشعب الفلسطيني سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف تهجيره قسرًا من أرضه، لكن رغم العقود الطويلة من القمع والتضييق، يظل الفلسطينيون متمسكين بحقهم التاريخي في وطنهم، مؤكدين رفضهم لكل محاولات الاقتلاع. ورغم استمرار الضغوط الإسرائيلية المدعومة بمواقف غربية، وتصاعد التصريحات التي تسعى إلى تقويض الحقوق الفلسطينية تحت شعارات السلام أو الوعود الزائفة، وأبرزها مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلا أن الواقع يؤكد أن الفلسطينيين لم يرحلوا ولن يرحلوا عن أرضهم. إنهم يقاومون بأساليب مختلفة، من التمسك بالهوية الوطنية إلى النضال السياسي والمقاومة الشعبية، في تأكيد مستمر على أن الأرض لهم، وأن الاحتلال، مهما طال أمده، لن يغير هذه الحقيقة.

التهجير كسياسة ممنهجة

لم تكن عمليات التهجير القسري التي يتعرض لها الفلسطينيون مجرد حوادث متفرقة، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين. من خلال هدم المنازل، والتضييق على الشعب الفلسطيني والحصار المستمر على قطاع غزة، والاستيطان المتسارع في الضفة الغربية، تسعى إسرائيل إلى فرض واقع ديموغرافي جديد. وقد شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في هذه السياسات، خاصة في القدس والضفة الغربية، وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على غزة في “معركة طوفان الأقصى” حيث تُجبر العائلات الفلسطينية على مغادرة منازلها تحت تهديد القوة والقصف المستمر للمنازل بهدف التهجير القسري لهم.

تصريحات ترامب، التي أدت إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بالأمس القريب، وإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، كانت بمثابة ضوء أخضر للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي المقابل، كان رد فعل الفلسطينيين على هذه التحركات بمثابة درس للعالم في الإصرار والصمود، فقد رفضوا أن يكونوا ضحايا لتلك القرارات التي تسعى إلى فرض واقع جديد يعكس مصالح القوى الكبرى على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أما نتنياهو، الذي واصل سياسة التهجير القسري وضم جزء من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية، فقد حاول بكل الطرق إلغاء وجود الفلسطينيين في بلادهم، سواء عبر سياسات القتل والتشريد. لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فالفلسطينيون ظلوا ثابتين في أراضيهم، مؤمنين بأن الأرض الفلسطينية، التي ارتوت بدماء الشهداء، هي جزء لا يتجزأ من هويتهم ومن خلال هذه السياسات المستمرة، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي قد أغفل حقيقة أساسية: أن الفلسطيني ليس مجرد ساكن في الأرض، بل هو جزء منها، لا يمكن أن ينفصل عنها مهما كانت الضغوط أو محاولات التغيير. الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أكثر من مجرد نزاع على أرض؛ هو صراع على الهوية، على حق الشعوب في تقرير مصيرها. والدليل الأكبر على ذلك هو شعب غزة، الذي بالرغم من الحروب المتعددة والحصار المستمر، لم يرضخ للتهجير ولم يتخل عن الأرض. في كل مرة كانت الأرض الفلسطينية تتعرض للتهديد أو التدمير، كان هناك الفلسطيني الذي يرفض أن يترك بيته أو أرضه. وهذا يشمل الفلسطينيين في الشتات الذين يواصلون مطالبتهم بالعودة إلى ديارهم، مؤمنين بأن حق العودة ليس مجرد شعار، بل هو حق لا يسقط بالتقادم.

وفي خطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثار الجدل حول محاولات تصفية القضية الفلسطينية بتصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذه التصريحات، التي تعكس انحيازًا واضحًا لإسرائيل، ليست مجرد كلمات عابرة، بل تأتي ضمن سلسلة من المواقف والسياسات التي تهدف إلى فرض واقع جديد بالشرق الأوسط يتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. فأثارت هذه التصريحات موقف كلاً من مصر والأردن عبر استياءً واسعًا، اللتين أكدتا رفضهما القاطع لأي مشاريع تهدف إلى توطين الفلسطينيين خارج أرضهم. فقد شدد المسؤولون في كلا البلدين على ضرورة التمسك بالحقوق الفلسطينية ورفض أي حلول على حساب سيادة الدول العربية.

رغم هذه التصريحات والمخططات، يواصل الفلسطينيون تمسكهم بأرضهم، رافضين كل محاولات الاقتلاع. فقد أثبت التاريخ أن الشعب الفلسطيني قادر على مقاومة كل مشاريع التهجير، سواء بالقوة أو بالسياسة والدبلوماسية، وأنه لن يقبل بأي حلول تُفرض عليه من الخارج. تصريحات ترامب ليست سوى امتداد لسياسات منحازة لطالما دعمت الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية، لكنها لن تغير من واقع أن الفلسطينيين باقون في أرضهم، كما كانوا دائمًا، صامدين في وجه كل محاولات التهجير والتصفية.

إذن، مهما حاولت قوى الاحتلال أو السياسة الخارجية الأمريكية محو الحق الفلسطيني، أو حتى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، فإن هناك حقيقة واحدة ثابتة: الفلسطيني لن يرحل، وسيظل متمسكًا بأرضه، ملتزمًا بمقاومة كافة محاولات التصفية والتغيير. تلك الأرض التي شهدت تاريخًا طويلًا من النضال، والتي ستظل شاهدة على صمود شعبها وتمسكه بها، هي أرض فلسطين التي سيظل الفلسطينيون يناضلون من أجلها إلى أن يتحقق التحرير. فالصمود الفلسطيني ليس مجرد كلمة، بل هو وعد يستمر من جيل إلى جيل. وكل محاولة للتهجير أو التغيير لن تزيد الفلسطينيين إلا إصرارًا على حقهم في العودة إلى وطنهم، وبناء دولتهم الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *