*هدنة غزة: صمود المقاومة وتحديات المرحلة المقبلة* بقلم الباحث السياسي محمد زيدان عواد خفاجي

مقدمة: الهدنة كفرصة لإعادة التقييم
شهدت الأيام الأخيرة إعلان هدنة مؤقتة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي.
هذه الهدنة جاءت بعد أسابيع من التصعيد العسكري الذي شهدته غزة، والذي خلف خسائر بشرية ومادية كبيرة. الاتفاق شمل تبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، مما أثار تساؤلات حول النتائج السياسية والعسكرية لهذه الهدنة وتأثيرها على الأطراف المختلفة.

صمود المقاومة الفلسطينية: انتصار سياسي وعسكري مؤقت
الهدنة الحالية تمثل اعترافاً ضمنياً بصمود المقاومة الفلسطينية، وانتصارها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة دولياً. خلال شهور من القتال الذي بدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023 م، فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية الرئيسية، بما في ذلك القضاء على البنية التحتية للمقاومة أو تحرير الرهائن بالقوة العسكرية. هذا الفشل يعكس قدرة المقاومة على الصمود والتكيف مع الظروف الصعبة، سواء عبر استخدام الأنفاق أو تكتيكات حرب العصابات التي أرهقت قوات الاحتلال الإسرائيلي.

من الناحية السياسية، تمكنت حماس من فرض شروطها في صفقة تبادل الأسرى، حيث تم إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المعتقلين لدى الاحتلال الإسرائيلي مقابل رهائن مدنيين وعسكريين إسرائيليين. هذا الإنجاز يعزز مكانة المقاومة كطرف قادر على التفاوض وتحقيق مكاسب سياسية حتى في ظل الحصار والعدوان المستمر.

التحديات أمام الاحتلال الإسرائيلي: ضغوط داخلية وخارجية
على الجانب الآخر، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو تحديات متزايدة نتيجة لهذه الهدنة.
داخلياً، تزايدت الانتقادات الموجهة للحكومة بسبب فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية وارتفاع تكلفة الحرب بشرياً واقتصادياً. كما أن قبول نتنياهو بالهدنة وصفقة تبادل الأسرى يُنظر إليه كتنازل سياسي قد يضعف موقفه أمام خصومه السياسيين.
خارجياً، تعرضت إسرائيل لضغوط دولية متزايدة لوقف العدوان على غزة، خاصة من قبل الدول الغربية التي شهدت احتجاجات شعبية واسعة تضامناً مع الفلسطينيين. هذه الضغوط دفعت الدول الكبرى إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً تجاه ضرورة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

التحديات المستقبلية للمقاومة الفلسطينية
رغم المكاسب التي حققتها المقاومة الفلسطينية من خلال هذه الهدنة، إلا أن المرحلة المقبلة تحمل العديد من التحديات. أولاً، هناك خطر استغلال إسرائيل لفترة الهدوء لجمع المعلومات الاستخباراتية عن مواقع المقاومة وأنفاقها استعداداً لجولة جديدة من التصعيد العسكري.
ثانياً، تعاني غزة من أزمة إنسانية خانقة نتيجة الحصار المستمر والدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة، مما يتطلب جهوداً كبيرة لإعادة الإعمار وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان.
ثالثاً، تحتاج المقاومة الفلسطينية إلى الاستفادة من فترة الهدوء لإعادة ترتيب صفوفها وتعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة أي عدوان مستقبلي محتمل. ورغم الدعم الشعبي الكبير الذي تحظى به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والفصائل الأخرى داخل القطاع وخارجه، إلا أن استمرار الحصار والضغوط الدولية قد يضعف قدرتها على المناورة سياسياً وعسكرياً.

آفاق الحلول السياسية والميدانية
الهدنة الحالية تقدم فرصة نادرة للأطراف المعنية لإعادة تقييم مواقفها واستراتيجياتها. بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، يمكن أن تكون هذه الفترة مناسبة لتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية وزيادة الضغط على الاحتلال عبر المنظمات الدولية والمحافل الدبلوماسية. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن استمرار التصعيد دون تحقيق نتائج ملموسة قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وتفاقم الأزمات الداخلية.

في النهاية، تبقى القضية الفلسطينية قضية عادلة تتطلب حلولاً جذرية وشاملة تنهي الاحتلال وتضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

محمد زيدان عواد خفاجي
باحث سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *