حين قرر لينين إدخال الكهرباء لكل بيت سوفياتي، كتب ميخائيل زوشينكو، قصة عنونها بالفقر، يحكي عن شقته حين وصلها الكهرباء، حيث ظهر مع الإضاءة الناصعة كل أرجاء البيت، وانكشف ما لم يكن يكشفه المصباح، فقر مدقع وقذارة في كل زوايا الغرف. ما إن تضغط على الزر، حتى ترى كل التفاصيل المزعجة، سرير وفراش ممزق وأريكة كان يعتقد ميخائيل إنها جيّدة فانكشفت بطانتها وحشرات تهرول بعيدًا وهي تحاول أن تنقذ نفسها من الضوء. أحزنه وأحرجه ما رأى، لذلك، فضّل العودة إلى المصباح الزيتي حتى يخفي الفقر الذي يعيشه وقال «أيها الأصدقاء! نور الكهرباء أمر جيّد، لكن الحياة تحت ضوئه ليست كذلك». أكيد أن البيت كان جميلا بشبه ظلامه، لكن النور كشف كل عيوبه.
هكذا تحدث زوشينكو عن واقع معاش لم يكن يريده، فضل العودة الظلام لينسى عيوب الضوء الساطع، لم يكن انهزاميا، لكنها كانت رسائل صريحة لسياسات عرجاء، ازعج من خلالها الساسة. رسائل مفادها أن المواطن ينتظر من الحكومة تغيير حاله وتحسين وضعه الاجتماعي ومنحه الأمل في غد افضل. الإيديولوجيا والشعارات والوعود الانتخابية لم تغير من واقع المواطن البائس، ولم تفي بشي مما وعدت، بل ازداد الوضع سوءا تزامنا مع صراعات وازمات عالمية.
منذ اندلاع انتفاضات الخراب العربي، لم يتغير شيء، عدة سنوات كانت كافية لإظهار كل عيوبنا العميقة، فقرنا السياسي وغياب مشاريع دولاتية، واستعداد تام لكل النخب بكل أطيافها، لإعادة إنتاج كل الأزمات التي أخرجت الناس للشوارع، حتى النخب المثقفة أخلفت موعدها للأسف.
انتشرت مظاهر الفساد والترقيعات المغشوشة والصراعات التافهة وإهمال كل قضايا المجتمع اليومية، صارت النخب الحديثة/القديمة، عاجزة عن إعادة بناء أجهزة الدولة وتحقيق سيادتها، كما فشلت في بناء ديمقراطية صلبة عبر إنشاء مؤسسات وهياكل دستورية مستقلة تحميها. نقطتان أفشلت العمل المطلوب، الثقة الزائدة في الفعل السياسي الجديد في البناء الديمقراطي المنشود، ويقين أنه لا يمكن العودة للوراء، ونقطة ثانية تخص ركوب بعض الحركات على موجة التغيير، منها الحركات الإسلامية.
لماذا فشلت كل الثورات في الوطن العربي؟ ببساطة لأنها لم تأتي بجديد يذكر، لأنها حملت أسباب إجهاضها منذ ولادتها، وأعادت إنتاج كل أسباب الخضوع والاستبداد وحكم العسكر وأذيال الانظمة القديمة.
كما أن غياب النضج السياسي للكثير من النخب، وغياب فهم واضح للمتغيرات الإقليمية والدولية، وفشلهم في إيجاد رؤية شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا السياسية، جعل جل الدول العربية تدور في فلك مظلم