يقول علي عزت بيجوڤيتش، «كل قوة في هذا الكون تبدأ بثبات أخلاقي، وكل هزيمة تبدأ بإنهيار أخلاقي».
ما يهدد الأمة اليوم أو في المستقبل، ليست الحروب ولا الاحتكاك بقوى عالمية، ولا تهديدات الحدود والسيادة الوطنية للبلاد العربية. إنه أكثر بكثير من كل هذا، إنه فقدان الهوية والتفكك الأخلاقي.
إن التهديد الأخطر هو تآكل اللحمة الداخلية للشعوب، من خلال ما يهدد الأسر والأطفال والشباب والنساء وحتى الرجال، إنه عنف قيمي بالأساس، عنف تراجع القيم وسيطرة الانحلال الاخلاقي، في زمن التفاهة بامتياز.
الروابط الأسرية في مجتمعنا المعاصر، صارت محط تخوف كبير لما آلت إليه الأوضاع في مجتمع ينحل يوما بعد يوم. الدنائة والسفالة باتت بمثابة النار في الهشيم، أتت على الأخضر واليابس، خاصة مع فتور المراقبة وتدخل المؤسسات الحكومية التي من المفروض أن تحمي الفرد من انحلال خلقي فضيع بات يعصف بقيم وأخلاق الناس.
الغريب في الأمر أن مواقع التواصل صارت أيضآ، مرتعا للفتن الإثنية والدينية والطائفية، وإشعال نار الخصومة بين الشعوب بشكل يومي، والتي تشكل تهديدا واضحا للتعايش والحياة الكريمة.
ما نعيشه على مواقع التواصل، سيكون أكثر فتكا بالوحدة الوطنية والتعايش السلمي وتربية النشء، إنه طريق الخراب نحو مجتمع فضائحي بامتياز، يتغذى على فضائح الناس، ويجر بعض أشباه الصحف وأنصاف الصحفيين نحو امتهان مهنة الردائة والتي تذر أموالا طائلة على حساب القيم والمبادىء.
وإذ ننبه، إلى ما يحدث خلسة من ممكنات التفكك الأسري والأخلاقي في مجتمعات هشة، وإن كل تقاعس عن تحقيق الإقلاع التنموي وإصلاح منظومات التعليم ومفاهيم التربية، والحفاظ غلى الهوية الوطنية، سيكون بمثابة الشرارة التي ستجد في بنية مجتمعات اليوم ما يمكنه من تسهيل مهمة المتربصين بالأمة.
إن المتابع للمشهد السياسي العربي، وتشكيل الأحزاب والحكومات، ليست سوى كعك وجب تقسيمه وفق منظور مصالح شخصية ضيقة، بعيدا عن الأخلاق والمبادئ والقيم، مما حول مؤسساتنا السياسية في الكثير من الأحيان إلى مقاولات وشركات خاصة، بل كان من المفروض أن ينطلق العمل بها من خلفية وطنية وأخلاقية، تجعل من المناصب العليا، مجالا للتنافس على خدمة الوطن والمواطن من منطلق ائتماني للصالح العام.
كما أن زواج المال والسلطة، أساء كثيرا للممارسة السياسية بالوطن العربي، فاستأسد رجال المال على المشهد العام، فلا مكان إذن للحديث عن الشفافية والمسؤولية، بل عن سوق للمال والتجارة بعيدا عن التنافسية الشريفة والعمل من أجل المصلحة العامة.
نفسه المشهد، نراه عند الكثير من الناس، شباب ورجال ونساء، يتهافتون نحو الثراء غير الشرعي، خصوصا غلى مواقع التواصل الاجتماعي، فازدهرت تجارة الأعراض والقيم والجسد. نفس المشهد ينطبق على عدد كبير من المواقع الصحفية التي باتت من أجل الربح تستبيح كل شيء، وتجري وراء تغطية الفضائح، مما ينبىء بكارثة ميلاد مجتمع فضائحي بامتياز مستقبلا، مجتمعيا وإعلاميا