حطّت الحرب بين «حزب الله» والعدو الاسرائيلي رحالَها في لبنان، وهي القضية الأولى اليوم التي يبحث فيها المسؤولون في الداخل والخارج للتوصّل إلى حلّ جذري ووقف إطلاق النار، إذ أنّ التداعيات خطيرة على كل الأصعدة، وخصوصاً لناحية النزوح، إذ لم تسلَم منطقة من هذه الأزمة، أكان لجهة الهروب منها أو إليها، بالإضافة إلى عودة عشرات الآلاف من السوريِّين إلى بلادهم… فما التحدّيات التي تواجهها الدولة اللبنانية اليوم في ما يخصّ مصير هؤلاء السوريّين الهاربين من نيران الحرب في لبنان والعائدين إلى بلادهم؟
منذ أواخر أيلول الماضي، انعكس اتجاه حركة النزوح ليلجأ عشرات الآلاف من السوريّين إلى سوريا، مستفيدين من الإعفاء الموقت من تصريف الـ100 دولار على الحدود السورية، إذ كان يُفرَض على كل سوريّ عائد إلى بلاده تصريف 100 دولار أميركي كإجراء اتّخذته الحكومة السورية سابقاً.
وبحسب وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية، فإنّ أكثر من 400 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا، غالبيّتهم سوريّون، عدا عن الذين هربوا عبر معابر غير شرعية خوفاً من الاستهداف الإسرائيلي، بعد الغارات المتعددة التي طاولت معبرَي المصنع والجوسي بقاعاً، وهذا يعني أنّ سوريا بالنسبة إليهم أصبحت أكثر أماناً، الأمر الذي يطرح أسئلة لا بُدّ من التوقف عندها.
في حديث خاص إلى «الجمهورية»، يشير نائب كتلة «الجمهورية القوية» جورج عقيص، إلى أنّ «الدولة اللبنانية لم توقّع اتّفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين» التي أُقرّت في 28 تموز 1951 وبروتوكولها لعام 1967، بالتالي لا تُطبّق أحكامها وبنودها التي تنصّ على سقوط صفة اللجوء عن اللاجئ الذي يعود ولو لمرّة واحدة إلى موطنه الأساسي. إنّما، هناك اتفاقية أخرى بين الحكومة اللبنانية ممثلةً بالمديرية العامة للأمن العام مع المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2003 والصادرة بمرسوم حكومي، تعتبر أنّ لبنان ليس بلد لجوء، بالتالي، إنّ أي شخص معرّض إلى خطر أو اضطهاد سياسي في بلده يمكنه المجيء إلى لبنان والإقامة فيه ضمن مهلة محدّدة وهي مدة 6 أشهر قابلة للتجديد لمرّة واحدة فقط، ويستطيع خلالها أن يتقدّم الشخص بطلب لجوء لإعادة توطينه في بلد ثالث، بلد لجوء. وهذا ما لم يُطبّق فعلياً في لبنان وسبّب أزمة نزوح على مدى سنوات.
وانطلاقاً من هذه النقطة التي أوضحها عقيص، يتبيّن لماذا لا نعتبر السوريّين لاجئين بل نازحين، فالنازح بحسب المفهوم المعترف به هو المواطن الذي ينتقل من مكان سكنه الأساسي إلى مكان آخر ضمن حدود بلاده، إلى حين عودة الأوضاع الأمنية إلى طبيعتها.
لكن في لبنان، الاستثناءات لا تُعدّ ولا تُحصى، والمفاهيم تتغيّر وفقاً للحالة. إذ أنّ هروب الملايين من السوريِّين من سوريا إلى لبنان منذ العام 2011 أي منذ اندلاع الحرب في بلادهم، شكّل استثناءً إنّما كلّف لبنان ثمناً باهظاً.
وحول مصير كل سوريّ يهرب خلال هذه الفترة إلى بلده، ولضمان عدم عودته مجدّداً إلى لبنان، خصوصاً أنّ بقاءه فيه لم يكن نزوحاً ولا لجوءاً بل طمعاً بالمساعدات وبفُرَص العمل التي لم تَعُد محصورة بأعمال البناء والزراعة والتنظيف، كما وأنّ كُثراً منهم يعملون من دون إجازات عمل للاستفادة من تسجيلهم كلاجئين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يؤكّد عقيص أنّ «المطلوب اليوم من الحكومة اللبنانية وكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية المعنية أخذ هوية كل شخص سوري عاد أو هرب من لبنان إلى سوريا عبر المعابر الشرعية، على أن يُصار إلى منعه من العودة مجدّداً إلى لبنان».
أمّا في ما يخصّ المعابر غير الشرعية، فيشدّد على «ضرورة تفعيل المراقبة»، أمّلاً أن يكون دور الجيش اللبناني في ضبط هذه المعابر وانتشاره على كافة الأراضي اللبنانية ليتمّ التضييق أكثر على دخول السوريّين إلى لبنان، بالإضافة إلى ضرورة ملاحقة ومحاسبة هؤلاء الذين يدخلون خلسة ومعاقبتهم بحسب ما تنصّ عليه القوانين لارتكابهم جرماً جزائياً، على أن يأمر القضاء اللبناني والسلطات المختصّة بترحيلهم من البلاد.
من هنا، وبعد هدوء الوضع في سوريا كلياً، فإنّ حَربة الحرب والنزوح تطعن قلب اللبنانيّين اليوم، في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن تحمّل كلفة تضميد جروح مواطنيها، وفي الوقت عينه هي مجبرة على تحمّل عبء نزوح كثير من السوريّين داخل لبنان إنطلاقاً من المسؤولية الإنسانية الواقعة عليها. فهل ستضرب السلطات المعنية بيدٍ من حديد، وتنطلق للعمل الجدّي وتطبيق القوانين والمراسيم اللازمة، لرسم خريطة طريق تشفي البلاد من الأزمة المتجذّرة منذ سنوات، أم ستبقى في غيبوبة غير مكترثة لكلّ ما يعانيه الشعب اللبناني، تاركةً المستفيدين من الوجود السوري غير المنظّم يستمرون في مشاريعهم «على عينك يا تاجر»؟