إسرائيل تجنّد العملاء عبر السّوشيل ميديا

“لأصدقائنا في لبنان: اتركا علينا ونحنا منهتم بمستقبلك ومستقبل عيلتك…”، هذا ليس إعلاناً لشركة تأمين، أو لجمعية غير حكومية تحاول توفير تأشيرات سفر لبعض العائلات النازحة، بل إنّه إعلان “إسرائيلي” صريح وواضح كتب باللهجة اللبنانية ويتمّ الترويج له عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً عبر موقع “X“.

 

ما قصّة هذا الإعلان؟ ومن يستهدف؟ وهل فعلاً بدأت إسرائيل بتجنيد اللبنانيين بهذه الطريقة المفضوحة؟

بدايةً حمل “أساس” صورةً عن الإعلان لنسأل عنه أهل الاختصاص، فأجابنا الخبير في الأمن السيبراني رولاند أبي نجم، الذي لا يستبعد جدّية هذا الإعلان: “نحن أصبحنا في مكان لم يعد فيه أيّ نوع من الضوابط. وأيّ شيء بات وارداً. فنوعية الحرب تفرض هذا الواقع الخالي من الضوابط. وفي ظلّ كلّ هذا الانفلات تصبح رؤية هذا النوع من الإعلانات طبيعية”.

يؤكّد أبي نجم أنّ الأقرب وضع الإعلان في إطار البروباغندا الإعلامية والحرب النفسية، أو ربّما هدفه تجميع معلومات. فإسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، خطّطت 15 سنة لعملية “البيجر”، وجنّدت العملاء ولم نرَ مثل هذا النوع من الدعوات من قبل.

لكن كيف يمكن أن يصل هذا الـ”Ad” إلى اللبنانيين، وإلى أشخاص دون غيرهم؟

يشرح الخبير السيبراني أنّ أيّ شخص من أيّ مكان في العالم يمكنه أن يطلق حملة ترويج على مواقع التواصل ويستهدف أيّ بلد في العالم، ويحدّد جنس ومنطقة وأعمار واهتمامات الأشخاص المستهدفين بحملته، وتحديداً على موقع X، ولذلك يمكن أن يظهر لناس دون غيرهم، محذّراً اللبنانيين من الضغط على أيّ روابط مجهولة المصدر لأنّها قد تحمل فيروسات تخترق هواتفنا الذكية بغية تجميع الداتا. ويحذّر أيضاً اللبنانيين من مشاركة أيّ معلومات عبر تطبيقات غير موثوقة.

رسالة زرقاء

بالعودة إلى الصفحة التي تقوم بالترويج للإعلان، فهي باسم “بيام آبى” باللغة الفارسية وتضع العلم الإسرائيلي صورة بروفايل لها. وبالتالي لا تحاول إخفاء هويّتها. أمّا صورة الخلفية فكتب عليها باللغة الفارسية أيضاً ما معناه: “رسالة زرقاء من قلب إسرائيل”. ولديها 167 متابعاً فقط. تمّ إنشاؤها في آب 2024. وانبثقت عنها صفحة “شقيقة” تحمل الاسم والصور نفسها وتروّج للإعلان نفسه لكن باللغة العربية. الصفحة الثانية لديها متابعان اثنان فقط، وتمّ إنشاؤها في تشرين الأول الجاري، وكتبت في البايو (Bio) الخاصّ بها: “لأصدقائنا في لبنان، نحن في انتظاركم”. واللافت أنّ الصفحتين “verified”، أي تحملان علامة التوثيق الزرقاء من موقع “إكس”.

أمّا الإعلان فهو عبارة عن “غوغل فورم” يطلب إدخال المعلومات الخاصة بالمستخدم. وعند دخوله تصل إلى مكان يحذّرك من أنّ هذا الرابط “Suspicious “، أي مثير للشكّ، وهذا يعني أنّ شركة X تقول للناشطين، طبعاً بطريقة آليّة، إنّ الصفحة “مشبوهة”.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ فريق عمل “أساس” لم يحاول دخول الرابط، حرصاً على هواتفنا الذكية، لكن بمساعدة خبير الأمن السيبراني أبي نجم توصّلنا إلى هذه المعلومات، حيث نقل لنا تفاصيل الرابط عبر هاتفه المزوّد بـ “browser” خاصّ للحماية من الفيروسات والروابط المشبوهة.

 

لكن ماذا تقول الأجهزة الأمنيّة عن هذه الإعلانات؟

يؤكّد مصدر أمنيّ رسمي لـ”أساس” أنّ هذا النوع من الصفحات أصبح موجوداً، وهو تحت المراقبة من الأجهزة الأمنيّة، التي تعمل بالتعاون فيما بينها لمتابعة أيّ عملية مشبوهة على الأرض أو في العالم الافتراضي، موضحاً أنّ “عميل الباشورة”، الذي أوقفته القوى الأمنية قبل أسابيع، قد سعى إلى التواصل مع المخابرات الإسرائيلية بالطريقة نفسها تقريباً، عبر أحد التطبيقات على مواقع التواصل “Talk to phone”.

لذلك محاولات التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي جدّية، وتعتبر اليوم الأكثر شيوعاً والـ”open source” وإن كانت تبدأ بتجميع المعلومات والصور البسيطة، لكن يمكن أن تتطوّر إلى عمالة أكبر وأكثر جدّية حسب الاستجابة والتمرّس. الفارق أنّه في الفترة الماضية كان التجنيد يستهدف أشخاصاً معيّنين ذوي خلفيّات معيّنة، ويسعى الموساد إلى التواصل معهم بعدّة طرق، وليس العكس. هذا لا ينفي وجود عملاء على مستويات أعلى بكثير، ويتمّ التواصل معهم بطرق أخرى وأكثر دقّة.

لكن ما هو عدد العملاء اليوم في لبنان أو المشتبه بهم بتهمة العمالة والتخابر مع العدوّ؟

يؤكّد المصدر الأمني لـ”أساس” أنّ الذين ثبت عليهم جرم العمالة هم اثنان من التابعية السورية وتمّ الإعلان عنهما في بيان رسمي، وأنّ هناك 20 موقوفاً اليوم مشتبهاً بهم، سوريين ولبنانيين، ويتمّ التحقيق معهم.

أمّا الآليّة، التي تعتمدها الأجهزة للتعرّف على العملاء، فبالإضافة إلى مراقبة هذا النوع من الصفحات، تتمّ مراقبة النقاط ذات الحساسية على الأرض مثل مراكز الإيواء وغيرها. كما أنّ الناس أنفسهم الذين لديهم الوعي الأمنيّ يعتبرون شركاء في آليّة الاشتباه هذه عبر مراقبة محيطهم والناس من حولهم وأيّ تحرّكات مشبوهة.

ماذا يقول القانون؟ وهل يُعتبر التفاعل مع هذا النوع من الروابط عمالة؟

لا يتطرّق الدستور اللبناني مباشرة إلى موضوع التعامل مع العدوّ، لكنّ من عالج هذا الموضوع وتطرّق إليه هو قانون العقوبات اللبناني، الذي وضع عقوبات على كلّ من يتعامل مع العدوّ أو يقترف جرم العمالة بشكل ثابت وأكيد.

الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك يشير في حديث لـ”أساس” إلى أنّ قانون العقوبات اللبناني بحاجة إلى تعديلات وتطوير لناحية مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة والجرائم التي يمكن أن تضاف إلى أحكامه: “لأنّ قانون العقوبات اللبناني يتعاطى بموضوع التعامل مع العدوّ كعنوان، لكن من دون الدخول في التفاصيل. وأعتقد أنّ هذه التفاصيل بحاجة إلى إدخالها بقوانين واقتراحات قوانين تقدّم أمام مجلس النواب من أجل تجريم هذه الأفعال بشكل يمكّن من معاقبة مَن يقدم عليها”.

من ضمن هذه التعديلات المرتقبة والمنتظرة، يوضح مالك: “يجب إدخال بعض الروابط والتطبيقات على مواقع التواصل التي تستهدف اللبنانيين بهدف تجميع الداتا أو التجنيد. هذه الجوانب بحاجة إلى أن تكون مذكورة بشكل واضح وصريح في أحكام قانون العقوبات اللبناني، حتّى يُبنى في ضوئها مقتضاه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *