اخبار العراق
أخر الأخبار

الانتخابات العراقيةتحت وصاية السلاح والفتوى - أ.د. محمد طاقة

من خلال متابعة ما يجري في الساحة العراقية
عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، يبدو ان البلاد مقبلة على انتخابات
جديدة في الحادي عشر من تشرين الثاني / نوفمبر ( 2025) ، إلا ان هذه الانتخابات ، مثل سابقاتها ، تجري في ظل انقسام حاد بين اطراف العملية السياسية التي تمتلك مليشيات مسلحة وتأتمر باوامر الحرس الثوري الإيراني ، مما جعل الحديث عن انتخابات حرة أقرب إلى الوهم من الواقع .
تسعى طهران إلى فرض اجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، فيما تراهن واشنطن على ( محمد شياع السوداني ) رئيس مجلس الوزراء بوصفه الورقة الممكنة لتنفيذ اجندتها المتمثلة في ( حل الحشد الشعبي ونزع سلاحه ) وهو ما يضع الانتخابات المقبلة في قلب صراع الإرادات بين القوتين المتحكمتين بمصير العراق .
غير ان ما يبعث على الاسى هو ان هذه الانتخابات لاتختلف عن سابقاتها في شيء ، اذ تجري بوجوه متكررة ومخرجات معروفة سلفاً
في وقتٍ يزداد فيه وعي الشعب العراقي بأن ما يُقدّم له على انه ( ديمقراطية ) ليس سوى مهزلة سياسية لاعادة انتاج منظومة الفساد ذاتها .
لايمكن الحديث عن انتخابات نزيهة في بلدٍ
فاقدٍ لسيادته ، تحكمه ثلاث قوى خارجية هي
( أمريكا ، وايران ، وإسرائيل) ، فالعراق يعيش تحت وصاية مباشرة وغير مباشرة في قراره السياسي والاقتصادي والعسكري . وبذلك تصبح أي عملية انتخابية مجرد واجهة شكلية لشرعنة ما يقرره المحتلون مسبقاً ، لا تعبيراً عن إرادة وطنية حقيقية .
تجري الانتخابات في ظل وجود مليشيات مسلحة تابعة لايران ، تمتلك القوة المادية والسلاح ، وتفرض ارادتها على الناخبين والمرشحين على حد سواء . ومع بقاء السلاح خارج سيطرة الدولة ، تتحول صناديق الاقتراع إلى ديكور سياسي لاقيمة له ، إذ تُحسم النتائج سلفاً بقرار من قيادة المليشيات والأحزاب الدينية التي تدين بالولاء لطهران .
يعيش العراق في مستنقع من الفساد المالي والإداري والسياسي والاخلاقي قلّ نظيره في العالم ، فساد متجذر تدعمه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويحظى بغطاء من المرجعيات الدينية وشيوخ العشائر
المستفيدين منه ، في ظل هذا الواقع تصبح الانتخابات اداة لتجديد الشرعية للفساد لا لمواجهته ، وتتحول الديمقراطية إلى ستار تخفي منظومة النهب المنظم للمال العام .
منذ الاحتلال الامريكي عام (2003) فُرِض على العراق دستور غريب عن واقعه الوطني والاجتماعي ، يُكرس الطائفية والمحاصصة والعرقية ، ويمزق النسيج الوطني بدلاً من توحيده ، وهكذا فإن اي انتخابات تجري في ظل هذا الدستور ، ليست سوى استمرارلنظام فاسد قائم على الانقسام والولاءات الفرعية ، لا على المواطنة المتساوية .
تحولت الانتخابات إلى موسم لشراء الأصوات
حيث تستغل حاجة الفقراء والنازحين والعاطلين مقابل مبالغ زهيدة أو وعود كاذبة ، ومع تفشي الجهل والطائفية، يغيب الوعي السياسي الحقيقي ويستبدل بعصبيات مذهبية أو عشائرية تعيد انتاج ذات الطبقة الحاكمة ، في ظل هذا المناخ ، لايمكن الحديث عن اختيار حر ، بل عن تلاعب منظم بارادة الشعب .
علماً ان جزءا ً كبيراً من الناخبين لا يصوت بارادته المستقلة ، بل بناء على توجيهات وفتاوي تصدر عن مرجعيات دينية ترتبط بدول خارجية . وهكذا تصبح الفتوى سلطة فوق الدستور ، والسلاح ضمانة فوق القانون ، فيُغيب المواطن وتلغى الإرادة الشعبية لصالح وصاية مزدوجة (دينية ومسلحة ) تصادر القرار الوطني باسم الدين والمقاومة معاً .
من خلال استعراض قوائم المرشحين ، يتضح ان معظمهم يفتقر إلى الكفاءة والعلمية والاخلاق الوطنية . كثير منهم من طبقات اجتماعية تبحث عن امتيازات ومناصب لا عن الخدمة العامة . فيما امتلأت قوائم النساء بمرشحات من عالم الإعلام والبرامج الترفيهية لا علاقة لهنّ بالمرأة العراقية المناضلة التي مثلت رمز الصمود والعطاء عبر التاريخ .
النتائج في العراق لا تفرزها صناديق الاقتراع بل تقررها المليشيات والأحزاب الدينية في الغرف المغلقة . وهكذا تتحول العملية الانتخابية إلى تمثيلية مكررة تكتب فصولها سلفاً وتعرض على الشعب بوصفها ممارسة ديمقراطية ، فيما الحقيقة انها آلية لاعادة انتاج منظومة الفساد والتبعية .
ان ما بجري في العراق منذ عام (2003)ليس انتقالاً ديمقراطياً بل خديعة كبرى رُوّج لها على انها تجربة حرة ، فالانتخابات في ظل الاحتلال وغياب السيادة والدستور الطائفي والنظام الفاسد لايمكن ان تفرز إلا واقعاً اكثر تشوهاً .
إن ( وصاية السلاح والفتوى ) تمثل اليوم العائق الأكبر امام بناء دولة المواطنة والقانون ، حيث تختزل الإرادة الشعبية في صوت مرتهن للخارج ، وتلغى الديموقراطية باسم ( الشرعية الثورية) أو ( المرجعية الدينية ) . والمطلوب منا اليوم مقاطعة هكذا انتخابات غير شرعية للأسباب التي ذكرناها ، بل المطلوب منا ليس تبديل الوجوه داخل البرلمان ، بل اعادة النظر جذرياً في العملية السياسية برمتها ، واستعادة القرار الوطني المستقل ، وبناء ديمقراطية حقيقية تقوم على المواطنة الواعية لا الطائفية وعلى العقل لا على الصندوق وحده . فالشعب الذي صودرت ارادته بالسلاح والفتوى لا يمكن ان يتحرر إلا بوعي يرفض الوصاية ويستعيد الوطن .

                           عمان 
              1/11/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى