هنا المغرب.. ماذا يريد الخونة؟بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي المختص في الشؤون العربية والإفريقية

ورد للمسعودي حكاية في “مروج الذهب ومعادن الجوهر” تقول: بعد معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، دخل كوفي من أنصار علي إلى دمشق على ظهر بعير، فتعلّق به أحد الدمشقيين قائلًا: “هذه ناقتي، افتكت مني يوم صفين”. وشهد خمسون رجلا أنها ناقته، ووصل الأمر إلى معاوية الذي أمر الرجل بتسليم الناقة إلى المدعي فورًا، فقال الكوفي: “أصلح الله الأمير، إنه جمل وليس بناقة”. عندها أخذ معاوية الرجل على انفراد، وقال له “أبلغ عليّا أنني أقاتله بقوم لا يفرقون، بين الناقة والجمل”.
هذه الحكاية تعبر عن واقع معاش اليوم، ليس فقط على مستوى بعض العامة ولكن على مستوى الكثير من النخب السياسية، إذ تسيطر العواطف الجياشة والأفكار المسبقة والانحياز لهذا الطرف أو ذاك، لتغطي عن الحقائق الموضوعية وتستغلها شخصيات قيادية شعبوية للمخادعة والتضليل والركوب على الموجات. هذه حالة الحركات الإسلامية واليسار الراديكالي وبعض الأحزاب السياسية التي لها ولاءات للخارج وأجندة ضيقة لا تخدم مصالح الوطن.
نعم هؤلاء من يُعوّل عليهم للدفاع عن قضايا الوطن في معترك الصراع الإقليمي والدولي، هؤلاء الذين لا يفرقون بين الجمل والناقة كما قال معاوية. هؤلاء الذين لا يفرقون بين مصالح الوطن ومصالح الأشخاص، هؤلاء الذين يخرجون من جحورهم لانتقاد المخزن والسلطة والنظام في كل وقت، يخرجون فقط للنقد دون طرح برامج أو أفكار أو رؤى حقيقية، وكأن عملهم يقتصر فقط على النقد من أجل النقد والمعارضة من أجل المعارضة.
اولئك الذين لا يفرقون بين الناقة والجمل، لن يكونوا يوما بناة أوطان، بل تابعين فقط، هم جيوش مجيشة وقطيع تابع، ليسوا جزء من أي حلول متوقعة لكنهم جزء من كل مشاكل الوطن. في الداخل كما في الخارج، من ينتقد المخزن فهو لا يعلم تاريخ المملكة ومن ينتقد المملكة عليه أن يقرأ التاريخ ليعلم كيف استعصى هذا البلد على أن يكون خاضعا لأحد، بلد الزوايا والشرفاء يأبى إلا أن يظل شامخا رغم كل العواصف العاتية.
فقد وصل الأمر حد إطلاق اتهامات للدولة وشخصيات وطنية ورجالات دولة بامتياز، من طرف قيادات حزبية وقيادات حقوقية. ويستلفت الانتباه، أن هذا النمط من الاتهامات لن يجرؤ أحد في أي نظام مستبد أن يشهرها فى مواجهة خصومه السياسيين، أو يستطيع ان ينتقد الدولة، لكن المساحة الكافية من الحرية بالمملكة خولت لهم الحديث بحرية لا يعرفون معناها ولا حدودها للأسف.
تجاوز حدود الحرية، والركوب على المكتسبات الديمقراطية، يجعل هذه الشرذمة في مأزق خطير أخلاقيا، ويضعها أمام المساءلة التاريخية والوطنية والقانونية اتجاه الوطن.
وكما قال صاحب الجلالة مغرب ما بعد 31 أكتوبر لن يكون كمغرب ما قبل هذا التاريخ، وليشهد الجميع أن لا ماكن للخونة بيننا، سواء خونة الداخل أو الخارج، والمملكة ماضية في إصلاحاتها السياسية وتجفيف منابع الفساد والقضاء على كل أشكال السيبة السياسية من أجل مغرب يستجيب لتطلعات ملك وشعب


