فنزويلا والشرق الأوسط تشابه المصالح وتداخل في الأزمات الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي

طفى على سطح الاهتمام الدعائي في وسائل الاتصال العالمي تشنج العلاقات بين الولايات المتحدة الترامبية وبين حكومة فنزويلا
نحاول في مقالنا هذا تقديم رؤية عن العلاقة بين ما يحدث حاليا مع فنزويلا والشرق الأوسط مع التركيز على أوجه التشابه والاختلاف والسيناريوهات المحتملة.
على الرغم من البعد الجغرافي والاختلافات الثقافية والتاريخية والتكوين السكاني توجد أوجه تشابه ملحوظة بين الأزمات التي تشهدها فنزويلا والعديد من دول الشرق الأوسط مما يجعل المقارنة بينهما ضرورية لفهم ديناميكيات الصراع والتأثيرات المحتملة على الأمن والاستقرار العالميين.
أوجه التشابه
-لعنة الموارد (الثروات الطبيعية )
تمتلك فنزويلا والعديد من دول الشرق الأوسط احتياطيات نفطية هائلة، والتي تحولت في كثير من الأحيان إلى “لعنة الموارد”. الاعتماد المفرط على النفط كمصدر وحيد للدخل أدى إلى إهمال القطاعات الأخرى، وتفشي الفساد …وتقلبات اقتصادية حادة مرتبطة بأسعار النفط العالمية.
-الاستبداد السياسي وتهميش المعارضة يعتقد البعض ؟! ان هناك أوجه شبه حيث تتشارك فنزويلا مع العديد من دول المنطقة في هيمنة أنظمة حكم سلطوية أو ذات نزعة استبدادية والتي تحد من الحريات السياسية وتهمش المعارضة مما يؤدي إلى تراكم الإحباط والغضب الشعبي.
-التدخلات الخارجية حيث تعاني كل من فنزويلا والشرق الأوسط من التدخلات الخارجية المتزايدة من قوى إقليمية ودولية تسعى إلى تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية مما يزيد من تعقيد الأزمات ويطيل أمدها.
-الأزمات الإنسانية فقد أدت الصراعات السياسية والاقتصادية في كل من فنزويلا والشرق الأوسط إلى أزمات إنسانية حادة تشمل نقص الغذاء والدواء، وتدهور الخدمات الأساسية ونزوح ولجوء الملايين.
أوجه الاختلاف:
الطبيعة الإثنية والطائفية للصراعات فبينما تتسم الصراعات في الشرق الأوسط في كثير من الأحيان بطابع إثني وطائفي مصنع ومحرف غربيا (بريطانيا وأمريكا وإسرائيل) فإن الأزمة في فنزويلا ذات طبيعة سياسية واقتصادية في المقام الأول على الرغم من وجود استقطاب حاد بين المؤيدين والمعارضين للحكومة.
دور القوى الإقليمية فالقوى الإقليمية تؤدي دورًا أكثر أهمية في الشرق الأوسط مقارنة بفنزويلا حيث تتنافس دول مثل إيران وتركيا وربما السعودية على النفوذ في المنطقة مما يزيد من حدة الصراعات.
زيادة حدة التوتر والعنف حيث تشهد مناطق مهمة بالشرق الأوسط حروبًا منظمة أهلية وصراعات مسلحة واسعة النطاق كالعراق وسوريا واليمن ولبنان بينما يقتصر العنف في فنزويلا على اشتباكات متفرقة بين قوات الأمن والمتظاهرين.
السيناريوهات المتوقعة:
مايخص فنزويلا:
الاحتمال الأوفر حظا هو استمرار الوضع الراهن مع بقاء نيكولاس مادورو في السلطة مع استمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وتزايد القمع السياسي.
او انتقال سياسي تفاوضي فالتوصل إلى اتفاق بين الحكومة والمعارضة يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
وهناك احتمال لتدخل عسكري خارجي بقيادة الولايات المتحدة أو دول إقليمية أخرى للإطاحة بمادورو وهو سيناريو مستبعد حاليا ! نظرًا للمخاطر والتكاليف المرتبطة به.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
واضح أن هناك استمرار الصراعات الإقليمية أبرزها استمرار التوتر بين إيران والسعودية واستمرار التوترات وعدم الاستقرار بالعراق و الحروب في سوريا واليمن مع احتمال نشوب صراعات جديدة.
-التحولات في موازين القوى فثمة صعود لقوى إقليمية جديدة وتراجع نفوذ قوى أخرى مما يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة.
-موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية حيث متوقع اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في دول المنطقة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية والقمع السياسي، على غرار “الربيع العربي”.
على الرغم من الاختلافات يمكن أن توفر دراسة الأزمة في فنزويلا دروساً قيمة حول كيفية إدارة الثروات الطبيعية وتجنب الاستبداد السياسي والتعامل مع التدخلات الخارجية والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية. وبالمثل …يمكن أن تساعد دراسة الصراعات في الشرق الأوسط في فهم دور العوامل الإثنية والطائفية في إشعال الحروب وأهمية الحوار والتفاوض لحل النزاعات وضرورة بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تحترم حقوق الإنسان.
ورغم اننا حاولنا تقديم نظرة عامة مبسطة لطبيعة التشابه والاختلاف بين فنزويلا والشرق الأوسط مع ذلك نؤكد ان هذه المقاربة تتطلب فهمًا أعمق للأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية في كل منطقة في هذا العالم المتخم بالأزمات والمشاكل ؟!


