اخبار العراق

العراق والانتخابات المستحيلة: لعبة السلطة تحت غطاء الديمقراطية بقلم: د. رياض الدليمي

مع اقتراب موعد الانتخابات، يعود المشهد السياسي في العراق إلى الواجهة محمّلًا بالأسئلة والشكوك ذاتها: هل يمكن فعلاً أن تُنتج صناديق الاقتراع تغييرًا في بلد تتحكم به السلاح والولاءات؟ أم أننا أمام دورة جديدة من اللعبة نفسها، تتبدّل فيها الوجوه وتبقى المعادلات كما هي؟
منذ عام 2003 وحتى اليوم، تحوّلت الانتخابات في العراق إلى طقسٍ سياسي يتكرر دون أن ينجح في نقل البلاد من دائرة الصراع إلى دائرة الدولة. فالقوى المهيمنة على السلطة لا تزال تمارس نفوذها بوسائل تتجاوز الأطر الدستورية، معتمدة على شبكة من الولاءات الحزبية والعقائدية والمسلّحة التي تُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها.
لم يعد التزوير هو الخطر الأكبر، بل العنف المنظم الذي يسبق الانتخابات ويواكبها. فاغتيال شخصيات وطنية بارزة مثل صفاء المشهداني في منطقة الطارمية، ليس حادثًا معزولًا، بل جزء من مشهد أوسع تتشابك فيه التهديدات ضد المرشحين والناشطين والإعلاميين الذين يحاولون خوض المنافسة بعيدًا عن سطوة الميليشيات. عشرات التقارير الحقوقية وثّقت كيف تتحول الحملات الانتخابية إلى ساحات تهديد، وكيف يخضع بعض الناخبين لضغط وترهيب يفرّغ مبدأ “الاختيار الحر” من معناه الحقيقي.
تبدو الديمقراطية في العراق وكأنها تُمارس تحت فوهة البندقية. الميليشيات التي تملك السلاح وتتحكم بمناطق النفوذ قادرة على التأثير في النتائج، إما بترهيب المنافسين، أو بفرض واقع سياسي على الأرض يمنع صعود أي قوة مستقلة. وهكذا يُعاد إنتاج السلطة ضمن الدائرة ذاتها التي جمعت بين المال السياسي والعنف الممنهج والولاءات الخارجية.
النتيجة هي أن الانتخابات، بدلاً من أن تكون آلية لتجديد الشرعية، أصبحت وسيلة لتثبيت نظام المحاصصة وإدامة التبعية. فحين تكون بيئة التنافس غير متكافئة، ويتحول الأمن إلى أداة ضغط، يصبح الحديث عن “إرادة الشعب” مجرّد شعارٍ يُستخدم لتجميل واقعٍ مأزوم.
لكن ذلك لا يعني أن الطريق مسدود. فإصلاح العملية السياسية يبدأ من تحييد السلاح عن المجال الانتخابي، وضمان استقلال القضاء والمفوضية، وتمكين المجتمع المدني والإعلام من الرقابة الحقيقية. كما يتطلب الأمر تحقيقًا شفافًا في جرائم الاغتيال السياسي، ونشر نتائج التحقيقات للرأي العام حتى لا تبقى الذاكرة الوطنية مثقلة بالغموض والخوف.
العراق بحاجة إلى انتخابات تُعبّر عن إرادته لا عن إرادة السلاح، وإلى ديمقراطية تُبنى على الوعي لا على الوصاية. فكل اقتراعٍ يجري في ظل الترهيب لا يُعيد إنتاج السلطة فحسب، بل يُعيد إنتاج العبودية السياسية.
الانتخابات ليست مستحيلة لأن العراق لا يستحق الديمقراطية، بل لأنها تُدار بمنظومة لا تؤمن بها. وما لم يتحرر القرار الوطني من سطوة الميليشيات والتدخلات، ستبقى الديمقراطية العراقية مجرّد غطاء أنيق للسلطة ذاتها التي لم تتغيّر منذ عقدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى