(( شبيه الشيء منجذب اليه ))
ترامب والعراق ، من سرق الثروة واتهم
الضحية بالجهل
رسالة إلى السيد رئيس جمهورية العالم ، دونالد ترامب
أ. د. محمد طاقة
استوقفتني عبارة السيد دونالد ترامب عند لقائه برئيس مجلس الوزراء العراقي المعين
بعد الاحتلال ، حيث قال (( ان العراق يمتلك ثروة هائلة من النفط لكنه لايعرف كيف يتصرف بها )) .
نعم ايها السيد ترامب ، لقد اصبت في تشخيصك لهذه الحقيقة ، لكنك أغفلت عن عمدٍ أو عن مكر سياسي ، الاسباب التي أوصلت العراق إلى هذا الحال ، فدعني اذكرك ببعض الحقائق التي تعرفها جيداً ، بل انت أحد صنّاعها .
انتم من غزا العراق عام (2003) بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل ، وهي تهمة اعترف البيت الأبيض لاحقاً بانها كانت كاذبة ، وتم غزو العراق دون تفويض من مجلس الامن ، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة .لقد كان هدف الغزو الحقيقي السيطرة على ثروات العراق وموقعه الجيوسياسي ، وليس تحرير شعبه أو نشر الديمقراطية كما تزعمون .
انتم من دمر العراق دولةً ومجتمعاً ، وحللتم مؤسساته ، وسرّحتم جيشه الوطني ، وفتحتم الأبواب امام الفوضى التي لم تنته حتى اليوم . لقد كانت الفوضى مقصودة وممنهجة لتمزيق النسيج الوطني وتفكيك البنية الإدارية والعسكرية ، كي لايقوم للعراق كيان مستقل من جديد .
انتم من جلبتم أولئك الذين تسميهم اليوم ( قادة العراق الجديد) ، وهم بالحقيقة مجموعة من العملاء والجهلة والطائفيين الذين لا يمتلكون اي مؤهلات سياسية أو اقتصادية أو اخلاقية لإدارة الدولة . وبالتنسيق مع ايران كنتم تختارون رؤساء الوزراء والوزراء وتمنحونهم شرعية زائفة ليكونوا أدواتكم في تدمير ما تبقى من العراق .
لقد سلمتم العراق رسمياً إلى النفوذ الإيراني ليكمل مشروع التدمير ، تحت أنظاركم وموافقتكم . فصار البلد تابعاً لارادة طهران ، وساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ، ومصدراً لتمويل اقتصاد ايران الذين تزعمون محاصرته . كل ذلك جرى بعلمكم وبتواطؤ مؤسساتكم السياسية والاستخبارية .
النظام الذي أقمتموه في بغداد ليس إلا واجهة فاسدة تتحكم بها مليشيات طائفية وشخصيات منبوذة اخلاقياً وسياسياً . هؤلاء ليسوا سوى ادوات رخيصة تنفذ أوامركم واوامر الولي الفقيه . ومن غير الممكن ان تكونوا تجهلون فسادهم ، لأنكم انتم من صنعتم هذه الطبقة ومولتموها. ووفرتم لها الحماية السياسية والغطاء الدولي .
انتم تعلمون ان عائدات النفط العراقي تُودع في صندوق خاص في الولايات المتحدة ، وتصرف تحت إشرافكم ، ومع ذلك تُهرب نحو ( 80% ) من الدولارات إلى ايران عبر أدواتكم في العراق ، فهل هذا تهريب ام اتفاق ضمني بينكم وبين طهران لتبادل الأدوار على حساب الشعب العراقي ؟ ان ( الكنز العراقي ) هو الذي يمُوّل الحصار الأمريكي على ايران ، وهذا ما يجعل الحصار مجرد مسرحية سياسية لتضليل الشعوب .
لقد ربطتم الاقتصاد العراقي بسلاسل من التبعية، حتى اصبح رهينة للاقتصاد الايراني . فالعراق رغم ثرواته يستورد ما يزيد عن (30) مليار دولار سنوياً من السلع والخدمات الايرانية ، بينما مصانعه ومزارعه مدمرة ، أليست هذه هي النتيجة الطبيعية للسياسة التي رسمتموها منذ الاحتلال ؟ انتم من سهل اغتيال وتهجير العلماء والأكاديميين العراقييين ، والذين تجاوز عددهم أربعين الف عالم وخبير من مختلف التخصصات . اردتم ان يبقى العراق بلا عقول ، بلا نخبة تقوده نحو النهوض . لقد تخلصتم منهم لأنكم تعلمون ان هؤلاء قادرون على اعادة بناء العراق كما فعلوا بعد عدوانكم عام (1991) ، فكان اغتيالهم وتهجيرهم خطة ممنهجة لإبقاء العراق في حالة عجز دائم .
يا سيد ترامب لاتخدعوا انفسكم ، انتم تعلمون ان كل ما جرى في العراق منذ عام (2003) وما يجري اليوم هو بعلمكم وبتخطيطكم ، انتم تتحملون المسؤولية الكاملة عن كل ما لحق بالشعب العراقي من دمار وفقر وجوع وفساد ، ومن هنا تنطبق علكم مقولتنا العراقية القديمة (( شبيه الشيء منجذب اليه ))، فأنتم تتعاملون مع أشباهكم من الساسة الفاسدين والمنحطين الذين جلبتموهم للحكم .
انتم دمرتم الصناعة والزراعة والخدمات ، وتركتم الشعب يواجه البطالة والجوع والجهل والأمية ، وخلقتم جيلاً مشوّه الوعي ، فاقد الامل بوطنه ومستقبله ، فمن اين للعراق ان يعرف كيف يتصرف بثرواته وهو واقع تحت وصايتكم ؟
ان من السخرية ان ياتي من دمر العراق ليعاتبه على عجزه ، انتم من صنع المأساة، فبأي وجه تلقون اللوم على ضحاياكم ؟ لقد فقد العراق امنه واقتصاده وعقوله وثرواته بفضل سيادتكم ، وبفضل الأدوات التي دعمتموها وزعمتموها فيه .
وان كنتم تتساءلون لماذا لايعرف العراقيون كيف يتصرفون بثرواتهم فا لإجابة لأنكم ازحتم من كان يتصرف لمصلحة البلد ولن تتركوا للعراقيين دولة ليتصرفوا من خلالها وبحرية .
إلى الشعب الأمريكي ، لا تحملوا وزر حكوماتكم التي خدعتكم كما خدعت العالم ، لقد استُخدم اسمكم لتبرير غزو دمر وطناً كان غنياً بعلمه وثقافته وثرواته . ان العراق لم يكن عدواً لكم ، بل ضحية لجشع الشركات والحروب التي تخاض باسم ( الحرية والديمقراطية ) نحن لانحمل الكراهية للشعوب ، بل نرفض من يستغلها ليصنع المآسي ويبرر بها الاستعمار الحديث .
عمان
17/10/2025


