سوريا بين الدولة الوطنية والدولة المتطرفة: قراءة في مخاطر شرعنة الارهاب السياسي..

ا د علي أحمد جاد بدر. استاذ العلوم السياسية
تواجه سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011م، واحدة من أعقد المعضلات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، فبعد سنوات من الصراع المسلح وخراب البنية التحتية وتشريد ملايين السوريين، يبرز في الأفق بين حين وآخر سيناريوهات خطيرة تتعلق بمستقبل السلطة في البلاد، من بينها تقبّل تنظيم متطرف أو ذي خلفية ارهابية لتولي قيادة سوريا سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر التحالفات السياسية أو الترتيبات الانتقالية برعاية القوى الاقليمية أو الدولية.
وإنّ تقبّل التنظيم الارهابي لقيادة دولة مثل سوريا لا يُعدّ مجرد خطأ سياسي أو خلل في إدارة المرحلة الانتقالية، بل يمثل تهديداً بنيوياً لمفهوم الدولة الوطنية ذات السيادة، ويشكل انقلاباً على كل القيم التي سعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لترسيخها بعد الحرب العالمية الثانية، أي قيم الشرعية، والمواطنة، واحترام القانون الدولي.
ومن الناحية السياسية سيؤدي هذا القبول إلى تقويض شرعية النظام الدولي نفسه، لأنه سيمنح اعترافاً دولياً ضمنياً بجماعة لا تؤمن بمفهوم الدولة، ولا بالدستور، ولا بالانتخابات، بل تستند في وجودها إلى القوة المسلحة والارهاب والخطاب العقائدي الاقصائي، مثل هذا السيناريو يعني شرعنة العنف كأداة للوصول إلى السلطة، وهو ما قد يشجع الجماعات المماثلة في الدول الأخرى على أن تتبني النهج ذاته، مما يفتح الباب أمام الفوضى الاقليمية التى لا نهاية لها.
وأما من الناحية الأمنية والاقليمية فإن وجود التنظيم الارهابي على رأس السلطة في سوريا يعني تهديداً مباشراً لأمن الدول المجاورة، العراق، لبنان، الأردن، وتركيا، إذ أن حدود سوريا المفتوحة ستتحول إلى ممرات آمنة لتصدير التطرف والسلاح والمقاتلين، كما سيُعاد إنتاج بيئة داعش والقاعدة بشكل جديد ولكن بغطاء رسمي هذه المرة مما يجعل مكافحته أكثر تعقيداً.
وفي البعد الاجتماعي والفكري فإن مثل هذا التحول سيقضي على أي أمل في المصالحة الوطنية السورية، فتنظيم ارهابي لا يؤمن بالتعددية أو بحقوق المرأة أو بحرية المعتقد لن يقيم دولة المواطنة، بل الدولة الأيديولوجية المغلقة التى تقوم على الاقصاء والتمييز، الأمر الذي سيؤدي إلى هجرة العقول وانقسام المجتمع السوري إلى طوائف متناحرة.
واقليمياً قد تجد بعض القوى في هذا السيناريو وسيلة لتصفية حساباتها أو لخلق التوازنات الجديدة في المنطقة، لكن النتيجة النهائية ستكون نظاماً هشاً خاضعاً للابتزاز الدولي، يستخدم الدين كسلاح سياسي ويمثل خطراً دائماً على الاستقرار العربي.
وأما دولياً فإن أي قبول بهذا الشكل من الحكم سيضع العالم أمام معضلة قانونية وأخلاقية: كيف يمكن لمجتمع دولي يحارب الارهاب أن يتعامل مع سلطة ارهابية معترف بها؟ وسيؤدي ذلك إلى تفكك الاجماع الدولي حول مكافحة التطرف، وإلى تآكل مصداقية المؤسسات الدولية، من مجلس الأمن إلى الأمم المتحدة نفسها.
وتقبّل التنظيم الارهابي لقيادة سوريا ليس مجرد احتمال سياسي بل خطر وجودي على الدولة والمجتمع والنظام الدولي، فهو يعني تحويل سوريا من ساحة نزاع إلى مصدر دائم للفوضى والتطرف، ويعيد تشكيل المنطقة على أسس من الكراهية والانقسام، والمطلوب اليوم ليس قبولاً بهذا الواقع بل إصرار عربي ودولي على بناء سوريا وطنية مدنية تقوم على التعددية والعدالة، لا على العنف والعقيدة المتطرفة