Uncategorized

أسواق الخليج بين الذهب والنفط: كيف توازن بين الملاذات والمخاطر؟ بقلم: د. قيس عبدالعزيز مهدي الدوري عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات 

 مع تجاوز سعر الذهب حاجز 4000 دولار للأونصة والفضة 50 دولارًا، يعيش الاقتصاد العالمي لحظة فاصلة تكاد تُعيد مشهد ما قبل الحربين العالميتين. وبينما تتأرجح العملات الورقية وتتهاوى الثقة بالأنظمة المالية الغربية، تتجه الأنظار إلى الخليج العربي، ليس فقط كمنتج للطاقة، بل كأحد أكثر المراكز المالية استقرارًا في عالمٍ مضطرب.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم:

كيف ستتأثر أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي بهذه القفزة التاريخية؟

الذهب يصعد… والسيولة تهتز

ارتفاع الذهب بهذا الشكل يعني أن المستثمرين حول العالم يهربون من الورق إلى المعدن، أي من الأسهم والسندات إلى الأصول الصلبة.

وفي أسواق الخليج، حيث تشكّل القطاعات المصرفية والعقارية والطاقة العمود الفقري للأسواق، يبدأ ما يُعرف بـ«تراجع شهية المخاطرة»؛ فيتحوّل جزء من رؤوس الأموال نحو التحوّط، لا المضاربة.

الخبير المالي القطري د. نزار العوضي يعلّق على ذلك بقوله:

“كل قفزة في الذهب هي رسالة خوف من المستقبل، وكل تراجع في السيولة الخليجية يعكس تأثرًا مؤقتًا لا أكثر. فهذه الأسواق اعتادت امتصاص الصدمات والعودة بقوة حين يستقر المشهد العالمي.”

القطاعات بين الضغط والفرصة

تختلف آثار الارتفاع بين القطاعات الاقتصادية:

  • البنوك تواجه ضغوطًا على هوامش الربح إذا اتجهت البنوك المركزية إلى خفض الفائدة انسجامًا مع الفيدرالي الأمريكي، مما يقلّل من أرباح الإقراض.
  • العقار قد يشهد تباطؤًا مؤقتًا، إذ يفضّل بعض المستثمرين الأمان الذهبي على أصول طويلة الأجل.
  • النفط والغاز يظلان الركيزة التي تمنح الأسواق الخليجية صمودًا، فكل اضطراب عالمي يرفع الطلب على الطاقة، ويزيد من فوائض الميزانيات العامة.
  • التعدين والمعادن الاستراتيجية في السعودية وعُمان والإمارات قد تكون الرابح الأكبر، لأن ارتفاع الذهب والفضة يعزز تقييم مشاريع التعدين ويجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

الصناديق السيادية… تُعيد التوازن

تتحرك الصناديق السيادية الكبرى مثل جهاز قطر للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي بذكاء لاحتواء الصدمة. فهي تمتلك أصولًا تفوق ثلاثة تريليونات دولار، وتستطيع بسهولة تعديل مكونات محافظها نحو المعادن الثمينة أو الأسهم الدفاعية (الصحة، الغذاء، البنية التحتية).

وتشير مصادر اقتصادية في الدوحة إلى أن بعض هذه الصناديق بدأ فعليًا في زيادة احتياطاته من الذهب كجزء من إستراتيجية “التحوّط طويل الأمد” من انهيار العملات الورقية، دون أن يعلن ذلك رسميًا.

العملة الخليجية… ظلّ الدولار

ترتبط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، وهذا يجعل أي تحرك في السياسة النقدية الأمريكية ينتقل فورًا إلى الخليج.

فإذا خفّض الفيدرالي الأمريكي الفائدة لكبح الركود، فستخفضها البنوك المركزية الخليجية كذلك.

هذا الترابط له وجهان:

  • إيجابيًا، يحافظ على الاستقرار النقدي والائتماني.
  • وسلبيًا، يجعل الريال والدينار والدرهم أسرى لتقلبات الدولار.

ويقول الخبير الاقتصادي د. خالد الهاشمي:

“ارتباط العملات الخليجية بالدولار يشبه الإبحار مع عملاقٍ مريض: إن عطس، تصاب السفن كلها بالحمّى.”

التأثير الاجتماعي والنفسي

على الصعيد الشعبي، يزداد الإقبال على شراء الذهب في الأسواق المحلية الخليجية، خاصة في السعودية وقطر والكويت، حيث يحتفظ الناس بالمجوهرات والسبائك كمدخرات آمنة.

وتشهد متاجر الذهب في الدوحة ودبي والمنامة حركة غير مسبوقة في الطلب على السبائك الصغيرة، مدفوعة بثقافة راسخة تعتبر الذهب ضمانًا للزمن المجهول.

كما تظهر فئة جديدة من المستثمرين الشباب في صناديق الذهب الرقمية (ETFs) عبر التطبيقات البنكية الخليجية الحديثة، ما يغيّر شكل الاستثمار في المنطقة نحو أدوات أكثر تنوّعًا.

تأثير “اقتصاد الحرب” على المنطقة

إذا استمر التصعيد العالمي نحو صراعات مفتوحة أو “حرب باردة مالية”، فإن الخليج سيواجه ما يُعرف بـ اقتصاد الحرب غير المباشر:

زيادة الإنفاق الدفاعي، تشدد في التحويلات، وتحوّط أكبر في الأصول.

لكن الخبراء يرون أن ميزة الخليج الجوهرية هي أنه لا يعيش الحروب، بل يمول استقرارها.

ففي عالمٍ مضطرب، تبقى الدوحة والرياض وأبوظبي والكويت محطات أمان لرؤوس الأموال الباحثة عن استقرار سياسي واقتصادي، لا عن مغامرات عسكرية.

في النهاية، يمكن القول إن ارتفاع الذهب والفضة ليس خطرًا على الخليج، بل جرس تنبيه ذهبي لتسريع التحوّل نحو اقتصاد أكثر تنويعًا.

فبينما يهرب العالم من الدولار إلى الذهب، تملك دول مجلس التعاون القدرة على أن تجمع بين الملاذين: النفط والذهب، بين الثروة الواقعية والاستقرار المالي.

قد تتقلّب الأسواق في المدى القصير، لكن الخليج – كما كان دائمًا – سيبقى في قلب المعادلة:

ليس ساحة للحروب، بل مرفأً للأمان حين تهتزّ خرائط العالم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى