
بقلم: د. رياض الدليمي
لسنا حفاة لأننا لا نملك الأحذية… بل لأن الأرض التي نمشي عليها لم تَعُد لنا.
منذ عام 2003، لم يدخل العراق مرحلة انتقال سياسي طبيعي، بل دخل زمنًا مكسورًا في روحه. لم تكن الحكاية إسقاط نظام فحسب، بل إسقاط فكرة الدولة نفسها. صارت الدولة عنوانًا بلا مضمون، وصار القانون ديكورًا خشبيًا على باب الفوضى.
صرنا نحن العراقيين حفاة… لا لأننا عراة، بل لأن الطريق امتلأ بمسامير الخيبة. نمشي بحذر فوق زجاج الوعود، بينما يمشي فوقنا زمنٌ آخر… زمن القنادر.
ولم تعد “القنادر” مجرد أحذيةٍ ثقيلة تدوس الأرض، بل صارت ملامح زمن كامل. زمن طبقةٍ حاكمةٍ خشنة في تفكيرها، فجة في ذائقتها، فارغة في مشروعها. ليسوا رجال دولة، بل رجال صدفة. لم يصعدوا بالكفاءة، بل بضجيج الولاء وصفقات الظل.
في زمن القنادر، لا يُكافأ العقل بل يُخَوَّن، لا يُحتَرم المثقف بل يُقصى، لا يُرفَع القانون بل يُحتوى. المنصب غنيمة، الدولة مزرعة، والشعب رقم فائض في هامش الميزانية.
بعد 2003 لم تُبْنَ دولة… بل شُيِّدت منظومة. منظومة لا تعرف معنى الوطن، بل معنى الحصة. لا تؤمن بالعدالة، بل بالتوازن الهشّ. لا ترى الشعب إلا موسم انتخابات أو موسم غضب.
صرنا حفاة في بلد نفطي، عطشى فوق بحر من الثروة. الأرقام فلكية، والبيوت فارغة. الموازنات تنفخ صدورها، بينما الصدور الحقيقية تضيق بالهمّ والخذلان. نرى النهر، ولا نُسمح لنا بالشرب.
نحن حفاة لأننا لم نساوم. لأننا لم ننحنِ. لأننا رفضنا أن نبدّل كرامتنا بورقة انتخاب مزوّرة أو خطاب ديني مُصنَّع. بقينا خارج اللعبة… لأن اللعبة فقدت شرفها.
وهم في القنادر… يمشون فوق الدستور حين يخدمهم، ويدوسون عليه حين يعترض مصالحهم. يتحدثون عن السيادة وهم يعرضون مفاتيح القرار في أسواق الخارج. يرفعون شعار الإصلاح وهم يُغلقون أبواب العدالة.
ليست أزمتنا فقر مال، بل فقر روح في الحكم. ليست مشكلتنا ضعف شعب، بل رداءة طبقة حاكمة. ليست مصيبتنا غياب الأمل، بل اختطافه.
لكنّ الحفاء ليس عارًا… بل شرف عندما تختار أن تمشي بقدمك لا بعكاز الكذب. العار أن تمتلئ بالخوف وتلبس حذاءً سُرق جلده من ظهور الجياع.
لسنا حفاة لأننا بلا وطن…
نحن حفاة لأننا نحمله في صدورنا، بينما حوّلوه إلى بند في مزاد.
قد يطول زمن القنادر…
لكن الأزمان التي لا تقوم على الوعي تسقط وحدها.
نحن حفاة…
لكننا لسنا منهزمين.
ولسنا من زمنهم



