اخبار الأحواز العربية
أخر الأخبار

لزواج الكاثوليكي بين واشنطن وطهران… حين يتجوّل المستشار الإيراني في مركزٍ انتخابي

▪️بقلم: ابو بكر ابن الاعظمية▪️

في مشهدٍ تجاوز حدود الغرابة إلى حدود الفضيحة السياسية، ظهر مستشارٌ إيراني داخل مركز انتخابي يفترض أنه وطني مستقل. الصورة وحدها كافية لتطرح عشرات الأسئلة وتفتح ملفاتٍ لم تُغلق منذ عام 2003، حين بدأ التزاوج الخفي بين القرار الأمريكي والنفوذ الإيراني في المنطقة، وفي العراق تحديدًا.

فما الذي يفعله مستشارٌ من طهران في مركز انتخابي؟

ولماذا لم تُبدِ واشنطن أي اعتراض على وجوده؟

وهل بات المشهد الانتخابي في بلادنا مرآةً لعلاقةٍ غير معلنة بين العدوّين المزعومين؟

بين العداء العلني والتحالف السري

منذ سنوات، يُقدّم الأمريكيون والإيرانيون أنفسهم كخصمين لا يلتقيان. خطاب العداء حاضرٌ في كل منصة إعلامية، وعقوبات واشنطن على طهران تتكرر في نشرات الأخبار.

لكن خلف الستار، تسير الأمور بمنطقٍ آخر: تفاهماتٌ، تنسيقٌ غير معلن، وأدوارٌ موزعة بدقة في الجغرافيا السياسية العربية.

الولايات المتحدة تُدير اللعبة من بعيد، بينما تُنفّذ إيران على الأرض ما لا ترغب واشنطن في تلويث يديها به مباشرة. الأولى تُنادي بـ«الديمقراطية»، والثانية ترفع شعار «المقاومة»، لكن النتيجة واحدة: سيادة الدول العربية تُدار بالوكالة بين الطرفين.

المستشار الإيراني… شاهد على التحالف

الوجود المفاجئ لمستشارٍ إيراني في مركزٍ انتخابي ليس حدثاً عارضاً، بل مشهدٌ رمزيٌّ مكثف لمعنى “الزواج الكاثوليكي” بين واشنطن وطهران؛ زواجٌ بلا طلاق، مهما اشتدّت الخلافات الشكلية.

فلا يمكن لمثل هذا الشخص أن يظهر في موقعٍ انتخابي حساس دون تنسيقٍ على أعلى المستويات. وهذا التنسيق لا يكون من طهران وحدها، بل بموافقةٍ ضمنية من واشنطن التي تدير المشهد السياسي العراقي منذ الاحتلال وحتى اليوم.

لقد أصبح النفوذ الإيراني جزءاً من معادلة الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط، تماماً كما أصبحت المصالح الأمريكية مرتبطة ببقاء وكلاء إيران في مواقع النفوذ داخل العراق وسوريا ولبنان واليمن.

من إسقاط النظام إلى تقاسم النفوذ

منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، بدأت مرحلة جديدة من “إدارة التناقضات”:

أمريكا أسقطت الدولة العراقية، وإيران ورثت الأرض السياسية.

واشنطن ضمنت النفوذ العسكري، وطهران ضمنت الولاء الشعبي عبر الميليشيات والأحزاب.

وبين الطرفين، ضاعت هوية العراق، وتحولت الانتخابات إلى واجهاتٍ شكلية لإعادة إنتاج نفس التحالفات المقنّعة.

الآن، حين يتجوّل مستشارٌ إيراني في مركزٍ انتخابي، فذلك إعلانٌ ضمني بأن اللعبة لم تعد تحتاج إلى تمويه. الشركاء في الظل باتوا يخرجون إلى العلن بثقةٍ كاملة، وكأنهم يقولون: نحن من نحدّد الفائز قبل أن تُفتح صناديق الاقتراع.

أمريكا تغضّ الطرف… لأن الاتفاق قائم

ما يُدهش في المشهد ليس الجرأة الإيرانية، بل الصمت الأمريكي.

فواشنطن التي لا تترك حادثة صغيرة دون تعليق، تغضّ الطرف عن نشاطٍ علني لمستشارٍ من دولةٍ تصفها بـ«الخصم النووي».

ذلك لأن «الخصومة» هنا مجرد ديكور سياسي، يخدم الطرفين.

إيران بحاجةٍ إلى شرعيةٍ أمريكية غير مباشرة، وأمريكا بحاجةٍ إلى عدوٍّ دائم يُبرّر وجودها العسكري وتمددها الاقتصادي.

هذا التفاهم المريب هو ما يصفه البعض بـ«الزواج الكاثوليكي» بين واشنطن وطهران — علاقةٌ بلا انفصال، قائمة على تبادل الأدوار في المنطقة.

▪️ما وراء الصورة▪️

الصورة التي انتشرت للمستشار الإيراني في مركزٍ انتخابي، ليست مجرد لقطة عابرة من كاميرا هاتف. إنها خريطة نفوذٍ كاملة، تُظهر بوضوح من يُدير خيوط السياسة في العراق، ومن يُبارك هذا التغلغل طالما يخدم توازنات القوى الكبرى.

لقد تحوّل المشهد الانتخابي إلى مسرحٍ منظم تتبادل فيه واشنطن وطهران الأدوار، بينما يُطلب من الشعوب أن تصفق لمن سُمّوا «المرشحين المستقلين»!

هذا الظهور العلني لمستشارٍ إيراني في مركزٍ انتخابي ليس حادثةً فردية، بل مؤشر على مرحلةٍ جديدة من الهيمنة المشتركة، حيث تُدار المنطقة بقبولٍ مزدوج من البيت الأبيض ومكتب المرشد.

ومن لا يرى في ذلك دليلاً على الزواج السياسي الأمريكي–الإيراني، فليتأمل المشهد مرةً أخرى:

كلما اشتدّ الصراع في الخطاب، ازداد التفاهم في الواقع.

وكلما تحدّثوا عن الاستقلال، تعمّق الارتهان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى