أ.د. على أحمد جاد بدر الدرون.. أداة النفوذ السياسي القادم
لم تعد الطائرات بدون طيار (الدرون) مجرد تكنولوجيا عسكرية تُستخدم في ساحات القتال، بل تحولت إلى أداة حيوية في صياغة النفوذ السياسي والاستراتيجي للدول، فمن الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا، ومن إيران إلى الصين، تتسابق القوى الإقليمية والدولية على تطوير قدراتها في هذا المجال لما له من أثر بالغ في ترسيخ المكانة الدولية والتأثير في المشهدين الإقليمي والدولي.
ولاشك أن أحد أبرز تحولات الردع في القرن الحادي والعشرين يتمثل في استخدام الدرون كأداة لفرض الواقع السياسي، فالضربات الدقيقة، والقدرة على الرصد والاستهداف عن بُعد، وسهولة الانتشار، وانخفاض التكلفة مقارنة بالطيران التقليدي، جعلت من الدرون أداة مثالية لإعادة تعريف قواعد الاشتباك دون الدخول في حروب شاملة.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الطائرات بدون طيار كوسيلة للتصفية السياسية خارج حدودها، كما فعلت في استهداف قاسم سليماني (2020)، في رسالة ذات بعد سياسي يتجاوز البعد الأمني، واتبعت إسرائيل النهج ذاته في غزة ولبنان وسوريا، بينما كرّست تركيا “الدرون” كجزء من عقيدتها في التمدد الإقليمي.
ولم يكن تدخل أنقرة في ليبيا، أو دعمها لأذربيجان في ناغورنو قره باغ، سوى مؤشرات على أن صناعتها الدرونية (بيرقدار TB2) أصبحت أداة للتأثير الجيوسياسي تعزز من نفوذها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا.
كما بنت طهران منظومة متكاملة من الدرون ضمن استراتيجيتها لموازنة التفوق الجوي الإسرائيلي والأمريكي، وصدّرتها إلى الجماعات الحليفة في العراق وسوريا واليمن، مما أوجد واقعًا إقليميًا جديدًا تحت عنوان: “الردع بدون الطائرات المأهولة”.
ولاشك أن مصر بما تملكه من ثقل إقليمي وموقع جيوسياسي استراتيجي، لا يمكن أن تغيب عن هذه الموجة، وقد خطت الخطوات الأولية في مجال الدرون، لكنها لا تزال دون مستوى الطموح السياسي الذي يعكس دورها التاريخي في الإقليم.
وإن تطوير البرنامج الوطني الشامل للدرون، يشمل التصنيع، والتطوير، والتصدير، واستخدامها في السياسات الدفاعية والردعية، ويعزز من القدرة على حماية المجال الجوي ، والحدود الطويلة مع ليبيا والسودان وقطاع غزة ، مع بناء نفوذ سياسي في أفريقيا، خاصة في مناطق النزاع مثل القرن الأفريقي ومنطقة الساحل.
والمساهمة في حفظ السلام الإقليمي تحت مظلة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي.
من هنا كان لازماً على الباحثيين أن يتوجهوا لصانع القرار المصري بمجموعة من المقترحات تتمثل في:
- إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتطوير تكنولوجيا الدرون تتبع رئاسة الجمهورية، وتضم الخبراء من القوات المسلحة، والجامعات، وقطاع التكنولوجيا.
- الاستثمار في الشراكات الدولية مع تركيا، وجنوب أفريقيا، والصين في مجال تقنيات الدرون.
- إدماج الدرون في العقيدة الأمنية الوطنية ومكافحة الإرهاب، والرقابة البيئية، والمراقبة الحدودية.
- تشجيع البحث العلمي المحلي وإنشاء مراكز التميز بالجامعات المصرية في تكنولوجيا الدرون والذكاء الاصطناعي.
- تحويل صناعة الدرون إلى أداة دبلوماسية من خلال تصدير التكنولوجيا إلى حلفاء مصر في أفريقيا والعالم العربي.
ولاشك أن مصرتواجه تحديات متزايدة في بيئة إقليمية متقلبة ومليئة بالتدخلات، ومن هنا يصبح امتلاك أدوات القوة الذكية والردع التكنولوجي، وعلى رأسها الطائرات بدون طيار، ضرورة استراتيجية وليس ترفًا تقنيًا، وإن اللحظة مواتية لأن تقود مصر هذا التحول بجرأة لتستعيد دورها القيادي بأدوات العصر الجديد.


