أ.د.على أحمد جاد بدر

أستاذ العلوم السياسية

        عميد كلية الدراسات الأفروأوروبية العليا

شهد النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة هيمنةً أمريكية شبه مطلقة، اتسمت بأحادية قطبية صبغت العلاقات الدولية بطابع التبعية، خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ومع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بدأت ملامح التغيير تتبلور تدريجيًا، حيث نشهد اليوم تحولات جذرية في موازين القوى تُمهد لنظام دولي متعدد الأقطاب.

وتتمثل أبرز ملامح هذا التحول في الصعود المتسارع لقوى كبرى مثل الصين وروسيا والهند، التي أصبحت تشكّل تحديًا مباشرًا للهيمنة الغربية التقليدية ، فالصين من خلال مشروع الحزام والطريق ونموها الاقتصادي الهائل، تسعى لإعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية للعالم ، أما روسيا فتبني سياساتها الخارجية على منطق استعادة النفوذ العالمي، كما بدا جليًا في تدخلاتها في أوكرانيا وغيرها ، ومحاولتها إعادة تشكيل الأمن الأوروبي.

وإلى جانب ذلك برزت قوى إقليمية أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، تحاول أن تلعب أدواراً مؤثرة في محيطها، وتطالب بإعادة النظر في النظام الدولي، وبخاصة مجلس الأمن وصندوق النقد الدولي، الذي يُتهم بالتحيز للمصالح الغربية.

وفي مقابل هذا الصعود، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا تحديات داخلية وخارجية مثل الانقسام السياسي وتراجع النمو وظهور قوى يمينية متطرفة تهدد بنية الديمقراطيات الليبرالية من الداخل ، وهذه العوامل أضعفت قدرة الغرب على الحفاظ على موقعه التقليدي في قيادة العالم.

ومن جهة أخرى، فإن هذا التحول لا يعني بالضرورة أن العالم يتجه نحو الاستقرار، بل قد يفتح المجال لصراعات جديدة ناجمة عن تضارب المصالح، وغياب آلية توافقية تُنظّم التنافس الدولي ، فالتعددية القطبية إن لم تُدار بحكمة وتفاهم دولي قد تُفضي إلى فوضى في النظام العالمي بدلًا من توازنه.

وتجدر الاشارة إلى أن العالم أمام مفترق طرق ، إما أن تُبنى التعددية القطبية على أسس التعاون واحترام السيادة وتوازن المصالح، أو أن تتحول إلى مسرح صراعات بين الأقطاب الكبرى ، والمطلوب اليوم هو إصلاح النظام الدولي ليعكس الواقع الجديد، ويضمن عدالة التمثيل، ويضع قواعد واضحة لتقاسم النفوذ بعيدًا عن منطق الغلبة.

وعلي ضوء هذه المعطيات، لا يمكن لأي دولة أن تنفرد بإدارة العالم، كما لا يمكن تجاهل القوى الصاعدة التي تُعيد تشكيل العلاقات الدولية ، فلقد انتهى زمن الأحادية والعالم يتجه نحو تعددية لا تزال في طور التشكل، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في مفاهيم السيادة والتحالفات والمصالح ، ضمن إطار عالمي جديد أكثر عدالة وشمولًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *