أ.د.على أحمد جاد بدر
أستاذ العلوم السياسية
عميد كلية الدراسات الأفروأوروبية العليا
شهد العالم العربي منذ مطلع العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين تحولات جذرية أثرت على خريطة القوى الاقليمية فيه ، ومن ثورات الربيع العربي إلى التدخلات الخارجية المتنوعة إلى التغيرات في أولويات الدول العربية ، بات واضحاً أن ميزان القوى داخل النظام العربي يشهد اعادة ترتيب شاملة .
وهذه التحولات لاتعكس فقط التغيرات في موازيين القوة السياسية والعسكرية ، بل باتت الديناميكيات الاقتصادية والدبلوماسية والتحالفات الاقليمية والدولية أعمق أثر في هذه التحولات.
ولاشك أن هناك أسباب عديدة لاعادة ترتيب القوى الاقليمية في العالم العربي منها:
- انهيار النظام الاقليمي التقليدى إذ كانت مصر وسوريا والعراق تشكل النفوذ العربي ، ولكن الحروب الداخلية والثورات والاضطرابات وتراجع القدرات الاقتصادية والعسكرية أضعفت هذه الدول ، مما أفسح المجال لقوى جديدة في البروز على الساحة العربية والاقليمية.
- لعبت الثورات والصراعات الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن والسودان دوراً مهما في اعادة تشكيل مراكز النقل ، إذ تحولت بعض الدول إلى ساحات تنافس اقليمي ودولي مما أضعف قدرتها على أن تلعب دورا اقليميا مستقلا.
- أدى تراجع النظام العربي التقليدى إلى تصاعد الدور غير العربي في المنطقة العربية ، حيث فُتح المجال أمام ايران وتركيا واسرائيل لتعزيز نفوذها في المنطقة ، مما دفع دولا عربية رئيسة إلى اعادة النظر في تحالفاتها وأدوارها الاقليمية.
وأدى كل ذلك إلى ظهور قوى جديدة في العالم العرب غير القوى التقليدية ، فقادت السعودية تحولا واضحا في السياسة الاقليمية من خلال رؤية 2030م ، والانخراط النشط في ملفات اليمن وسوريا ولبنان ، مع فتح العلاقات مع ايران ، والانفتاح الدبلوماسى والاقتصادى العالمي ، وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وعززت أيضا علاقاتها مع روسيا والصين.
وبرزت أيضا الامارات العربية المتحدة كقوة دبلوماسية واقتصادية وعسكرية صاعدة ، حيث تلعب دورا مؤثرا في كل من اليمن والسودان وليبيا ، وأصبحت محورا مهما في التحالفات الاقليمية خاصة مع مصر والسعودية .
وأما قطر فلقد استطاعت من خلال قناة الجزيرة والدور الاعلامي بالاضافة إلى الاستثمار الاقتصادى في الدول الرئيسة في العالم ، أن تضع نفسها على خريطة القوة المؤثرة في القضايا العربية الاقليمية.
وأما مصر القائد التقليديى الذى تقلص دوره لأسباب عديدة ، فإنها رغم التحديات الاقتصادية والسياسية لاتزال مصر لاعبا محوريا في المنطقة ، خاصة في فلسطين وليبيا والسودان والصومال وشرق المتوسط ، ولاشك أنها تسعي لاستعادة دورها التقليدي عبر تحالفات استراتيجية وتعزيز الاقتصاد المتراجع والدبلوماسية الهادئة ، وربما يساعدها تاريخها الطويل وخبراتها المتراكمة في استعادة دورها إن استطاعت التغلب على المشكلة الاقتصادية في البلاد.
ولاشك أن النظام العربي شهد العديد من الأزمات التى أثرت على التحالفات والتحولات الجيوسياسية ، فلقد شهد مجلس التعاون الخليجي ظهور تكتلات جديدة أكثر مرونة منذ الأزمة الخليجية (2017-2021م ) فظهر المحور السعودى الاماراتى كما ظهرت محاور أخرى مثل
التقارب المصرى الجزائرى في قضايا شمال أفريقيا وعودة العلاقات السعودية الايرانية بوساطة صينية وانفتاح بعض الدول العربية على اسرائيل في اطار اتفاقيات ابراهيم.
وبرغم اعادة ترتيب مراكز القوى في العالم العربي فإن هناك تحديدات عديدة مشتركة تواجه النظام العربي ككل ، وتتمثل في غياب المشروع العربي الجماعي فلا يوجد تصور عربي مشترك لمستقبل المنطقة ، ولاتزال التدخلات الاجنبية في العالم العربي تعمق الانقسام داخله وكذلك التفاوت الاقتصادى والتنموى بين الدول العربية ، حيث نجد بعضها غنياً والأخرى تعانى من الفقر والنزاعات مما يقف عائقاً نحو التحالف الفعال.
وتبقى القضية الفلسطينية رغم تراجعها على سلم الأولويات ، تمثل اختباراً حقيقيا لمواقف الدول العربية وانتمائها للقضايا العربية.
إذن يمكن القول بأن الوقائع تشير إلى أن خريطة القوى العربية الاقليمية في طور التشكيل من جديد ، ضمن نظام أكثر لامركزية وأقل تضامناً ، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة على العالم العربي كله ، وعلى مصر والسعودية أن يلتفتا لخطورة ذلك ، ويعلما أن الفرصة لاتزال قائمة لبناء مشروع عربي مشترك يعيد للعالم العربي تماسكه ومكانته وفاعليته في النظام الدولى ، خاصة في ظل التغيرات العالمية المتسارعة وبروز التعددية القطبية الجديدة في الأفق فهل من مجيب؟؟؟؟؟